Wednesday, September 22, 2010

الاختـلال الجهوي


الاختـلال الجهـوي
رضوان زهرو

لا يزال النسيج الإنتاجي في بلادنا يتمركز حول محور رئيسي، يمتد من فاس ومكناس، فالقنيطرة والرباط، فالمحمدية وصولا إلى الدار البيضاء. ولقد حاولت سلطات الحماية، منذ البداية، تقسيم المغرب إلى جزء نافع، يضم المناطق المطلة على المحيط الأطلسي، الغنية بالفلاحة؛ وجزء آخر غير نافع، يضم المناطق غير المسقية والجافة. ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، حيث لازلنا نلاحظ، إلى اليوم، تعايش مغربين: مغرب صناعي نافع وديناميكي ومنتج ومبدع، ومغرب آخر غير نافع وبلا ملامح وفي أحيان كثيرة متراجع. صحيح أن هناك جهات يمكن أن تصبح متقدمة جدا، اعتبارا لمؤهلاتها وإمكاناتها والثروات التي تتوفر عليها، لكن هناك جهات أخرى لا تقوم بأي دور في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعرف خصاصا واضحا في ما يتعلق بتدخل السلطات العمومية، لإنعاش التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل ربوعها. هذا التعايش بين مناطق غنية وأخرى فقيرة في بلادنا يضرب أسباب التماسك الاجتماعي والتضامن الوطني ويهدد في العمق أسس التوازن والاستقرار واستمرار الدولة، كما يحمل معه العديد من الصعوبات والمشاكل. لذلك، فالواجب اليوم تشجيع المناطق التي تعرف تخلفا ملحوظا والوقوف بجانبها، في إطار سياسة جهوية، تقوم على مبدأ التضامن بين الجهات، عبر سياسة ضريبية ذات بعد جهوي، من خلال تخفيضات ضريبية مهمة ولو لفترة محدودة ونظام جمركي محفز وشروط تمويل مرنة وبأقل تكلفة والعمل على ضخ رؤوس الأموال الوطنية والخارجية في المناطق التي تعاني من نقص مزمن في التجهيزات الأساسية وفي البنيات التحتية، كالطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية...

إن التنمية التي تتم في ظل هذا الاختلال العميق بين المناطق والجهات لها انعكاسات سياسية خطيرة على بلادنا. ولضمان غد أفضل وتجنب مثل هذه الانعكاسات يجب أن يملك صانعو القرار الإرادة السياسية للقطع مع هذا التوجه الذي دام لسنوات عديدة والتوفر على رؤية استراتيجية تدمج الأداة الضريبية والتنمية الاقتصادية، ولكي نحقق التوازن الاقتصادي والاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي، على المغرب ألا يستمر في السير بسرعتين مختلفتين: مغرب غني ومغرب فقير. ومن أجل ذلك، لا بد من اتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة، في اتجاه وضع الآليات الملائمة من أجل تقليص الاختلالات والفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين مختلف جهات المملكة، وذلك عبر سياسة ناجعة للتمويل ومنح القروض بأقل تكلفة وتوفير البنيات التحتية الأساسية وخلق وتهييء مناطق صناعية مندمجة تمثل شرطا لازما لجلب الاستثمار وإقامة المشاريع.

إن السلطات العمومية لم تقم بدورها كما يجب، رغم توفرها على إمكانات ووسائل عديدة للتدخل: رصيد عقاري ونظام ضريبي وتمويل محفز وتكوين مستمر... فالمناطق الصناعية العشوائية تعاني من كثرة المتدخلين العقاريين ومن تلاشي وضعف بنياتها التجهيزية، في حين تتمتع المناطق الصناعية، المهيأة حسب الإجراءات القانونية، بحد أدنى من التجانس واحتياطي مهم من التجهيزات الأساسية، التي يمكن تطويرها مع بداية استغلال المنطقة، عن طريق جمعيات المقاولين الصناعيين ومن خلال السعي إلى تحقيق الجماعة المقاولة، وذلك باعتماد آليات مالية مهمة، تمكن الجماعات المحلية من موارد، تستطيع من خلالها القيام بدورها كاملا. فأمام غياب المبادرة الخاصة، في مجال إعداد التراب الصناعي، أصبح قطاع التهيئة المجالية في يد الدولة، وأحيانا في أيدي الجماعات المحلية؛ فالدولة والجماعات المحلية هما أصحاب المبادرة في هذا المجال.

إن فكرة التهيئة المجالية غير قريبة العهد، فالسلطات العمومية قامت بمحاولات أولى، في بداية السبعينيات، لتهييء مناطق صناعية في طنجة (مغوغا) وأكادير (تاسيلا وأيت ملول). لكن رغم المجهودات التي بذلت، لم يعرف البرنامج الوطني للمناطق الصناعية النجاح المتوخى، حيث ظل يتخبط في مشاكل متعددة، مما جعل أمر مراجعته ضروريا، فقامت مصالح وزارة الصناعة حينها، بمشاركة الأطراف المعنية، بإعادة تحيينه. وهكذا، ظهر برنامج جديد للتهيئة، اقتصر فقط على المناطق ذات الجاذبية الاقتصادية، كمدن الدار البيضاء، أكادير، طنجة، جهة النواصر، المحمدية، وجدة والناطور. وبالموازاة مع هذا المجهود، ارتقى مفهوم «المنطقة الصناعية» إلى مفهوم «الميدان الصناعي» ليتم استبداله اليوم بمفهوم «المنطقة الصناعية المندمجة»، حيث تم القيام بدراسات عديدة حول إمكانية خلق مناطق صناعية مندمجة، بمشاركة عدد من الخبراء الدوليين. كما عرف الانفتاح على القطاع الخاص تطورا ملحوظا، عن طريق اتخاذ مجموعة من التدابير الإجرائية، من أجل تشجيع مسطرة عقود الامتياز بين القطاع الخاص والسلطات الوصية. إن مسؤولية الجماعات المحلية هنا ثابتة. فإذا لم يكن دورها هو النهوض بمختلف المناطق التابعة لها، فما عسى يكون دورها، إذن؟

لقد راكم المغرب تجربة مهمة كغيره من البلدان التي أخذت بنظام اللاّمركزية، خصوصا على المستوى الإداري، لكن ذلك لم يصاحبه تطور وفعالية على المستوى الاقتصادي والمالي. ولتحقيق هذا الهدف، وجب على الجماعات المحلية التوفر على الإمكانات البشرية والتقنية والمالية التي تمكنها من القيام بأدوارها كاملة، في ظروف جيدة. في الكثير من الأحيان، هذه الجماعات تتذرع بكون النسيج الصناعي فوق ترابها لازال ضعيفا. فالضرائب المحلية التي يتم تحصيلها من المقاولات المتواجدة فوق ترابها تبقى هزيلة جدا، لا تمكنها من إعداد برامج للتنمية في المستوى المطلوب، فالضريبة على القيمة المضافة التي يتم توزيعها من طرف وزارة الداخلية على مختلف الجماعات المحلية تتم على أساس معايير تساهم في إغناء الجماعات الغنية وإفقار الجماعات الفقيرة.

جريدة المساء  

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا