Wednesday, September 19, 2012

مفهوم الشرعية بين القانون والتطبيق

                                مفهوم الشرعية بين القانون والتطبيق


تبدو فكرة الشرعية من أهم الأفكار والمفاهيم داخل المنظومة الفكرية ذات التأثير في الحياة الثقافية والفكرية وكذلك السياسية، خاصة أن مفهوم الشرعية برز كترجمة لكلمة Legitimacy، وبرز في الاستخدام العربي كصفة للأفعال والأمور مثل السياسة الشرعية، والمقاصد الشرعية وغيرهما.
وتُعرِّف الموسوعة الدولية الاجتماعية مفهوم الشرعية بأنه "الأسس التي تعتمد عليها الهيئة الحاكمة في ممارستها للسلطة. وتقوم على حق الحكومة في ممارسة السلطة وتقبُّل المحكومين لهذا الحق".
ويجب التفرقة بين مفهوم الشرعية "Legitimacy" الذي يدور حول فكرة الطاعة السياسية، أي حول الأسس التي على أساسها يتقبل أفراد المجتمع النظام السياسي ويخضعون له طواعية، ومفهوم المشروعية " legality " بمعنى خضوع نشاط السلطات الإدارية ونشاط المواطنين للقانون الوضعي. أي أن الشرعية مفهوم سياسي بينما المشروعية مفهوم قانوني.
الأصل اللاتيني لكلمة " Legitimacy " هو "Legitimus" واستخدمه الرومان بمعنى التطابق مع القانون، ولقد أصبح خلال عصر النهضة يعبر عن العقل الخلاق والوعي الجماعي، ويعتبر " جون لوك" أول من استخدم مفهوم الشرعية كأساس لتحليل ظاهرة السلطة. وتطور المفهوم في العصور الحديثة بحيث أصبح يُعبّر عن اختيار وتقبل المحكومين للحكام والنظام السياسي، وهكذا برز عنصرا الاختيار والرضا كعناصر أساسية لمفهوم الشرعية، ولقد طرحت العديد من التعريفات لمفهوم الشرعية، ويمكن رصد ثلاثة اتجاهات للتعريف :

اتجاه قانوني: يُعرِّف الشرعية بأنها "سيادة القانون"، أي خضوع السلطات العامة للقانون والالتزام بحدوده، ويمتد القانون ليشمل القواعد القانونية المدونة (الدستور) وغير المدونة (العُرف)- ويقصد بالعُرف: مجموعة القواعد التي درجت عليها الجماعة فترة طويلة بلغت حد التواتر مع شعورهم بإلزام هذه القواعد.
اتجاه ديني (القانون الإلهي): ويُعرِّف الشرعية بأنها "تنفيذ أحكام الدين (القانون الإلهي). وجوهره أن النظام الشرعي هو ذلك النظام الذي يعمل على تطبيق ويلتزم بقواعد الدين (القانون الإلهي)، ويجب فهم الدين بمعنى الحقيقة المُنزلة. ويضم هذا الاتجاه معظم علماء الدين في العصور القديمة والحديثة.
اتجاه اجتماعي – سياسي: حيث تُعرَّف الشرعية بأنها "تقبُّل غالبية أفراد المجتمع للنظام السياسي وخضوعهم له طواعية؛ لاعتقادهم بأنه يسعى لتحقيق أهداف الجماعة، ويعبر عن قيمها وتوقعاتها، ويتفق مع تصورها عن السلطة وممارساتها".

مفهوم الشرعية في الفكر الإسلامي
وعلى صعيد آخر، فإن مفهوم الشرعية في اللغة العربية يختلف - إلى حد ما - عن المفهوم في الفكر الغربي كنتاج لاختلاف البيئتين. في اللغة العربية: الشرع والشرعية والشريعة والتشريع والمشروع والشرعة كلها من جذر لغوي واحد "شرع"، والشرع لغة: البيان والإظهار، ويقال شرع الله كذا أي: جعله طريقًا ومذهبًا، والشرع مرادف للشريعة، وهي ما شرع الله لعبادة من الأحكام، والشرعي هو المنسوب إلى الشرع. وفي هذا السياق فلقد استخدمت الشرعية كصفة للأفعال المطابقة للقانون أو المقيدة به، ويقصد بالقانون الأحكام المستندة للشريعة الإسلامية.
ويلاحظ أن مفهوم الشرعية قد حُرِّف عن أصله اللغوي وسياقه الفكري في اللغة العربية بدعوى تطور المفهوم، وتحولت معاني المفهوم مع تزايد معدلات العلمنة؛ بحيث أصبح يعني القانون الوضعي والشرعية الوضعية. ولقد تحدثت بعض الموسوعات الحديثة، مثل موسوعة معن زيادة ، عن تعدد التعريفات لمفهوم الشرعية - طبقًا للرؤى الغربية- وكذلك عن أشكال النظام "الشرعي"، مما يضفي على مفهوم الشرعية عدم الثبات . وفي الواقع، فإن مفهوم الشرعية يشكل مركزًا لرؤية متكاملة في الفكر الإسلامي، وترتكز هذه الرؤية على المحاور التالية :

Ø مفهوم الشرعية مفهوم متكامل الجوانب: باعتبار أن الدين الإسلامي هو دين له بُعد سياسي،والسياسية الإسلامية هي سياسية دينية، والشرعية لا بد أن تكون دينية، وهي بهذا المعنى واحدة ومطلقة - كلية وشاملة، تمتلك العديد من العناصر والتطبيقات؛ أخلاقية واجتماعية وأيضًا قانونية وسياسية. -
Ø السياسة الشرعية سياسة عادلة: ترتبط الشرعية الدينية في الإسلام بالجوانب السياسية، وذلك يعتبر ربطًا بين الفكر والتنظير في قواعد التأسيس في الشريعة الإسلامية، فالشريعة لها جوانب حركية متمثلة في السياسة أي القيام بالأمر وتدبيره بما يصلحه وفق النسق القيمي الإسلامي. ويلاحظ أن السياسة الإسلامية متصفة بالعدل باعتباره فريضة تتواءم مع روح الشريعة. -
Ø الشرعية بين الحاكمية والعلمانية: يعتبر الحديث عن سياسة الدنيا في الإسلام جزءًا لا يتجزأ من الدين، طالما كان قانون الدولة الذي يحكمها "الشريعة"، وبهذا يعد الدين مفهومًا توحيديًا بين ما هو ديني وبين وما هو سياسي. ولا تنطبق هذه المقولة على الخبرة الغربية، التي يُستبعد فيها أي تأثير أو توجيه ديني على تنظيم المجتمع والعلاقات الإنسانية داخل المجتمع والقيم التي تحتويها هذه العلاقات فيما يعرف بـ "العلمانية". -
Ø الشرعية: الطاعة والرضا والولاء والتغلب والخروج: ترتبط الشرعية بشبكة من المفاهيم المتعلقة بممارسة المحكومين لعلاقتهم بالسلطة السياسية. وترتكز الشرعية على أساس من الطاعة لأولي الأمر الذين يتحقق تجاههم الرضا الشعبي، والذين يتعلقون بأداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بين الناس بالشريعة العادلة. وقياسًا على ذلك فإن "إمامة التغلب" - أي الاستيلاء على الحكم قهرًا- تفتقد أهم عناصر الرضا والاختيار في عقد الإمامة- أي افتقاد الشرعية ذاتها، وكذلك لا يمنع الخروج على السلطة غير المؤدية لمهامها. -

وترتكز الدولة الشرعية في الرؤية الإسلامية على العقيدة باعتبارها مؤسسة لقيم الممارسة السياسية الشرعية، وتجمع بين الحق - أي ما يحدده الشرع - والقوة - في حدود الحق المنزل. والأمة هي قاعدة الدولة الشرعية باعتبارها الجماعة السياسية المنوط بها: حاكمية الشرع والعقيدة، وإنجاز الأمانة ، وتحقيق الخلافة. وتستند شرعية الحاكم في الدولة الإسلامية إلى عقد البيعة - أي مبايعة الرعية للحاكم بحيث تصير شرعية القيادة بالموافقة والرضا.
وفي الواقع، فإنه يجدر بنا التمييز في قضية الشرعية وفقًا لمجموعة من المعايير تتسم بالتشابك والتداخل :

التمييز بين مستويات الشرعية.
1- شرعية الابتداء والتأسيس من حيث الالتزام بالإطار الفكري والعقدي.
2- شرعية إسناد السلطة والولاية من خلال حقائق البيعة والعقد.
3- شرعية ممارسات السلطة من خلال مدى رجوعها للشريعة.
4- شرعية الخروج على السلطة السياسية.
التمييز بين عناصر الشرعية وفقًا لتقسيم عناصر الرابطة السياسية: على سبيل المثال شرعية السلطة والنظام السياسي، وشرعية العلماء وشرعية الرعية سواء من حيث حركة أفرادها أو من حيث حركة الجماعة في الأمة.
التمييز بين عوارض تؤدي إلى نقصان الشرعية، وبين أخرى ناقصة ومفتقدة للشرعية.
وجود دور هام للأمة (كمجمل أفراد المجتمع الإسلامي) في تشكيل وإضفاء الشرعية على النظام السياسي وعلى السلطة السياسية.
في سياق عملية إضفاء الشرعية فإن الرجوع إلى الشريعة يجب أن يرتبط بالاحتكام إليها والتصديق فيها ، وليس لمجرد التظاهر بالاحتكام إلى الشرع (رجوع افتقار لا رجوع استظهار).

وفي واقعنا نلحظ تبني نظم العالم الثالث لمفهوم الشرعية طبقًا للرؤية الغربية - حيث تسند الشرعية للقانون الوضعي- و هذا قد خلق ما يطلق عليها "أزمة الشرعية". فسيادة القانون صورية، والسلطة السياسية مفروضة على المجتمع، والطاعة تحدث قهرًا. ولا شك أن أزمة الشرعية في دول العالم النامي تعد تهديدًا لاستقرار هذه الدول ككيانات سياسية و يستلزم إصلاحات سياسية عاجلة تستعيد سلطة الشرع كمرجعية و تؤسس الشورى ومـشـاركــة الأمـة .

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا