Saturday, September 15, 2012

التفعيل الحقيقي للدستور والديمقراطية التشاركية

                     التفعيل الحقيقي للدستور والديمقراطية التشاركية


تتجه أنظار المتتبعين للشأن السياسي في المغرب، حاليا، إلى أهم قضية بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وهي منهجية تفعيل الدستور، هل ستتم كما لو أن الأمر يتعلق بقوانين و إجراءات عادية في حياة أي جهاز تنفيذي، من حقه أن يمرر وجهة نظره وبرنامجه بطريقة أوتوماتيكية، اعتمادا على الأغلبية التي يملكها، أم أن أهمية الملف، تتطلب مقاربة مغايرة، لأن ما هو مطروح، يتجاوز مسألة برنامج حكومي.
إن الوضع الحالي يبرر طرح هذا التساؤل، لأنه ولأول مرة في المغرب، تجد حكومة نفسها مسؤولة عن تفعيل دستور جديد، تم الاتفاق حوله من طرف الأغلبية الساحقة من مكونات المشهد السياسي، وهذا ما يعقد الوضعية، حيث أن المعارضة، اتفقت معها على نفس النص الدستوري، بل إن المفارقة تكمن في أن مكونات من الجهاز التنفيذي كانت تتقاسم مع مكونات من المعارضة نفس التوجه السياسي العام.
فهل تبرر مسألة المشاركة في الحكومة من عدمها، حصول اختلافات كبيرة، مثلا، بين أحزاب الكتلة الديمقراطية على تفعيل الدستور؟ وهل يحق للحكومة أن تتصرف في الأمر كما لو كان مشروع تفعيل الدستور في قوانين وغيرها من الهياكل والإجراءات، محل نزاع سياسي وإيديولوجي، يتطلب منها التكتل في جبهة لمواجهة المعارضة، سواء داخل البرلمان أو خارجه؟
الأمر يتجاوز هذا البعد، حيث إن مسالة تفعيل الدستور تتطلب كذلك معالجة تداخل السلط والصلاحيات ومناطق النفوذ بين الحكومة والمؤسسة الملكية، فهناك العديد من الإشكالات التي تطرح على هذا الصعيد.
وبالإضافة الى كل هذا، فإن الأهم هو تبني مقاربة تشاركية حقيقية، لأن مفهوم الديمقراطية تطور واخذت العديد من القوى السياسية والمجتمعية، تراجع هذا المفهوم، لتطرح بدائل جديدة، تسير في اتجاه نقد الهيمنة المطلقة للمؤسسات القائمة، على التصويت بالأغلبية، سواء في البرلمان أو الحكومة أو في المجالس المنتخبة جهويا و محليا.
فقد أكدت أزمة الرأسمالية حاليا، أن النظام القائم على التناوب بين حزبين أو بين تكتلين كبيرين قد أنتج نفس التوجهات الليبرالية، القائمة على اقتصاد السوق والنموذج الاستهلاكي، الذي تتحكم فيه الاحتكارات الكبرى والمؤسسات التمويلية وقطاعات الأبناك والشركات العالمية... وأدى هذا النموذج الى زيادة الفوارق الاجتماعية داخل نفس البلد والى تعميق الهوة بين الدول الفقيرة والغنية.
ولم يتضرر من الأزمة سوى الكادحين والفئات العاملة، التي وجدت نفسها أمام شبح الفقر و البطالة وإجراءات التقشف، بينما خرج الأغنياء سالمين، خاصة بعد أن اتخذت الأبناك احتياطاتها ورفعت من معدلات الفائدة وضخت الدول في رأسمالها، الأموال العمومية... وغيرها من الإجراءات.
وبموازاة كل هذا استمرت نفس الأغلبيات في الحكم، تتداول السلطة والنفوذ بينها، وتضمن مصالح الأغنياء، لذلك اخذت العديد من الأصوات تنادي بمراجعة هذا النموذج الفاسد، وظهرت بعض ملامح خلخلته في نتائج انتخابية بأوربا، غير أن المراجعة الجذرية هي تلك التي يطرحها المناضلون في التظاهرات والاعتصامات المنظمة في كبرى عواصم العالم، والتي تسائل النموذج الرأسمالي حول نظامه الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي.
ولعل من أهم الأفكار الكبرى المطروحة، هو مفهوم «الديمقراطية التشاركية» التي تعتبر أن الآلية الانتخابية، وما ينتج عنها من برلمان وحكومة ومجالس، ليست سوى جزءا من البناء الديمقراطي، ينبغي تكميله بآليات أخرى، نابعة من الحوار الدائم مع التنظيمات السياسية، سواء تلك التي تعترف باللعبة الانتخابية أم لا، ومع النقابات والمنظمات المختلفة في المجتمع.
تعتبر هذه النظرية أن وصول أغلبية معينة الى الحكم، لا يعني استفرادها واحتكارها لكل شيء، بل عليها إدارة التشاور والمشاركة الديمقراطية في المجتمع، لأن هذه العملية هي التي تؤدي الى التفاعل الجدي مع مختلف التيارات والتوجهات والمطالب والمصالح.
وإذا كان هذا البعد الجديد للديمقراطية، يعني الخروج من هيمنة النموذج الانتخابي، السائد في الديمقراطيات الغربية الرأسمالية، فإنه مطروح بقوة في بلدان مازالت تتلمس طريقها نحو الديمقراطية، ومازال العزوف فيها عن المشاركة في الانتخابات قويا، ومازالت فيها توجهات التصويت تخضع، في جزء هام منها لتأثير الدين والمال، لذلك لا يمكن لأية قوة أن تدعي أنها صوت الشعب.
وهذا المعطى أيضا يعزز مطلب الديمقراطية التشاركية في تفعيل الدستور الجديد، الذي لا يمكن التعامل معه كما لو كان برنامجا انتخابيا لحزب معين وأغلبية برلمانية، بل هو نتاج لحوار وطني شامل، وإرادة سياسية تمثل أغلبية الأمة، وقانون أسمى يتعالى فوق الحسابات الضيقة.
         عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا