Friday, September 21, 2012

دراسة: إشكالية الإحالة بعد النقض

                   الإحالة بعد النقض على المحكمة نفسها لا تتماشى مع الغاية التي توخاها النص وهي تحقيق العدالة
تنص المادة 369 من قانون المسطرة المدنية (ظهير 10 شتنبر 1993) على ما يلي «إذا قضى المجلس الأعلى بنقض حكم وأحال الدعوى إلى محكمة أخرى من درجة المحكمة التي نقض حكمها، أو بصفة استثنائية على نفس المحكمة التي صدر عنها الحكم
المنقوض، ويتعين إذاك أن تتكون هذه المحكمة من قضاة لم يشاركوا بوجه من الوجوه أو بحكم وظيف ما في الحكم الذي هو موضوع النقض....»
يذهب الأستاذ عبد العزيز توفيق في كتابه «موسوعة قانون المسطرة المدنية إلى «أنه حفاظا على حقوق المتقاضين من حيث حقهم في قربهم من المحاكم التي تنظر قضاياهم واقتصادا عليهم في النفقات يمكن للمجلس الأعلى أن يرجع القرار المنقوض إلى المحكمة نفسها التي أصدرته شرط بيان ذلك في قراره».
إن الإحالة بعد النقض على محكمة أخرى من نفس الدرجة التي نقض حكمها هي الأصل، أما الاستثناء فهو الإحالة على نفس المحكمة التي صدر عنها الحكم المنقوض، بشرط ألا تتشكل هذه المحكمة من أي عضو من الأعضاء الذين سبق لهم البت في القرار المنقوض، وإلا كان حكم محكمة الإحالة باطلا.
وإن كان تعيين محكمة الإحالة عملا قضائيا، يجوز لمحكمة النقض تغييره تلقائيا أو بطلب من أحد الخصوم في حالة الخطأ المادي بشأن درجة محكمة الإحالة، أو إذا كانت المحكمة جد بعيدة أو كذلك إذا كان عدد قضاة محكمة الإحالة لا يسمح بتأليفها من غير الذين أصدروا الحكم المنقوض.
(التعليق على قانون المسطرة المدنية المغربية - حسن الفكهاني)
فالأصل إذن هو الإحالة على محكمة أخرى غير المحكمة التي صدر عنها الحكم أو القرار موضوع النقض، والاستثناء هو الإحالة على نفس المحكمة مشكلة من قضاة لم يشاركوا بوجه من الوجوه أو بحكم وظيف ما في الحكم موضوع النقض.
لكن، بالرجوع إلى قرارات محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) فهي تطبق الاستثناء قبل الأصل، وذلك بإحالة جميع القرارات أو الأحكام على المحكمة نفسها مشكلة من قضاة لم يشاركوا في الحكم موضوع النقض، بدون تعليل، علما أن تطبيق الاستثناء مع وجود الأصل يستوجب تبريره، وهو ما ينقص جميع القرارات التي تحيل على المحكمة نفسها.
وإذا كان المبرر الخفي وغير المعلن للإحالة على المحكمة نفسها مشكلة من هيأة أخرى هو البعد الكبير بين المحكمة المصدرة للقرار وأقرب محكمة استئناف على الخصوص، فإن ذلك يمكن أن يكون مستساغا بالنسبة للمحاكم ذات الدوائر الشاسعة والتي بينها مسافات جد بعيدة خصوصا محاكم الاستئناف بالعيون وأكادير ومراكش. أما باقي محاكم الاستئناف فإن المسافة بينها لا تبرر الإحالة عليها بعد النقض خصوصا محاكم الاستئناف بكل من طنجة وتطوان أو الحسيمة والناضور ووجدة أوفاس ومكناس أو القنيطرة والرباط والدارالبيضاء والجديدة وآسفي. فباستثناء ثلاث محاكم استئناف من أصل إحدى وعشرين فإن البعد لا يمكن أن يقوم مبررا للإحالة على المحكمة نفسها.
فإذا كان القضاء ركنا في عالم القانون حيث مبدأ لا قانون بلا قضاء فأساس الوظيفة القضائية هو أساس العلاقة بين القانون والقضاء. وبالتالي وجب تطبيق نص المادة 369 من قانون المسطرة المدنية بالشكل الذي يحفظ للنص القانوني الوظيفة التي ابتغاها له المشرع وذلك بالأخذ بالأصل قبل الاستثناء عند النقض والإحالة، خاصة وأن قرب جل محاكم الاستئناف من بعضها يبرر عدم الأخذ بالاستثناء قبل الأصل.
وحيث إن الإحالة بعد النقض على المحكمة نفسها بالإضافة إلى ما ذكر من تطبيق لا يتماشى مع الغاية التي توخاها النص إلا وهي تحقيق العدالة التي ينشدها المتقاضي بصفة عامة، ذلك أن إحالة القضية على نفس المحكمة ولو كانت مشكلة من قضاة لم يبتوا في الحكم موضوع النقض يلامس منظومة العدالة من خبراء ومفوضين قضائيين وكتابة الضبط وعدول يمكن أن يكون لهم تأثير غير مباشر في القضية بحكم اشتغالهم بنفس الدائرة القضائية.
كما أن الإحالة على المحكمة نفسها بعد النقض قد يصطدم بعدم توفر العدد الكافي من القضاة الذين ليسوا في حالة تناف للبت في القضية بحكم عدم مشاركتهم في إصدار القرار موضوع النقض، مما يستوجب تقديم طلب من أجل تعيين محكمة أخرى وما يتطلبه ذلك من وقت إضافي يطيل من عمر القضية، وهو ما يمكن تجاوزه أصلا بإحالة القضية على محكمة أخرى خاصة وأن سرعة البت في القضية هي جزء من تحقيق العدالة لأن الوصول إلى الحق بأسرع وقت، هو الغاية التي يتوخاها كل متقاض عند لجوئه إلى المحكمة لاستيفاء حقه، فسرعة البت هي جزء من الوظيفة القضائية لتحقيق العدالة والحكامة الجيدة المطلوبة.
ومن بين سلبيات الإحالة على المحكمة نفسها بعد النقض، أنه لا توجد في المحكمة الواحدة في الغالب الأعم تشكيلتان أو أكثر لنفس المادة (أحوال شخصية، عقار، مدني، اجتماعي،.... الخ)، الشيء الذي يخلق نوعا من الارتباك لدى التشكيلة التي تحال عليها قضية ليست من اختصاصها فتشكيلة استأنست بمادة معينة لابد أن تجد نوعا من الصعوبة في البت في القضية التي تحال عليها خصوصا إذا كان بين المادتين فرق في طبيعة التكوين لدى أعضاء كل تشكيلة فالقاضي الممارس لمادة الأحوال الشخصية والعقار له تكوين خاص لا يمكن لقاض استأنس بالمادة الاجتماعية أن يبت في قضية عقارية محالة عليه بصفة عرضية بسهولة مثلا، فيضطر في الغالب إلى الاستشارة وفتح نقاش حول القضية ولو بصفة غير مباشرة مع نفس التشكيلة المصدرة للقرار موضوع النقض، الشيء الذي تبقى معه لمسة، هاته الأخيرة حاضرة حتى في القرار الجديد الصادر بعد نقض قرارها في القضية نفسها. وهو ما يفرغ قرار النقض من الغاية التي صدر من أجلها.
ولعل كل الأسباب التي تطرقنا لها أعلاه، تكون كافية لفهم نص المادة 369 من قانون المسطرة المدنية ولماذا جعلت الأصل هو الإحالة بعد النقض على محكمة أخرى غير المحكمة مصدرة القرار المنقوض. والاستثناء هو الإحالة على نفس المحكمة مشكلة من قضاة لم يشاركوا في إصدار القرار المنقوض.
وأخيرا، أتمنى أن تفتح هذه المقالة النقاش حول مسألة الإحالة بعد النقض لأن النظرة الضيقة وعدم تبرير الأخذ بالاستثناء قبل الأصل يطرح تساؤلات علينا جميعا إيجاد إجابات لها، أو الرجوع إلى الأصل وتبرير الاستثناء.
بقلم: مصطفى مستعيد: رئيس غرفة بمحكمة النقض
 

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا