Saturday, September 22, 2012

النيابة العامة في ضوء قانون المسطرة الجنائية المغربي الجديد: الأدوار والمهام1

مــدخــــل عـــــام

من الوجهة التاريخية ، يرى أغلب الباحثين الفرنسيين أن نشأة جهاز النيابة العامة كان مع بداية القرن الرابع عشر ، وبالضبط في سنة 1303 وذلك حينما كلف الملك فليب لوبون Philipelepon بعض الأشخاص بالقيام بمهام وكلاء الملك ، ويساهم نواب عامين للملك لدى المحكمة العليا ونواب للملك لدى المحاكم الدنيا ، وقد تمثلت مهمتهم أساسا في تمثيل الملك أمام هذه المحاكم .
وأثناء الثورة الفرنسية ، تم إلغاء جهاز النيابة العامة باعتبارها مؤسسة تخدم مصالح الملكية المستبدة .
غير أن رجال الثورة الفرنسية سرعان ما اقتنعوا بأنه باستطاعة جهاز النيابة العامة أن يخدم العدالة بشكل أفضل ، وهكذا صدر المشرع اختصاصات النيابة العامة في المادة الجنائية على وجه الخصوص حيث تم إحداث وظيفة المدعي العام L’accusateur public أمام المحاكم التي أحدثتها تلك الثورة .
وقد عرف مرسوم قانون مؤرخ في 16-4-1990 جهاز النيابة العامة كالآتي : جهاز يتكون من أعضاء ينتمون إلى السلطة التنفيذية يعملون بجانب المحاكم .
ومن الملاحظ أن الإصلاح القضائي الفرنسي الصادر في 22 دجنبر 1958 قد ظل وفيا لهذا التصور انطلاقا من تبعية النيابة العامة لوزير العدل .
إن نظام النيابة العامة كما هو مطبق أمام المحاكم المغربية حاليا ليس وليد تقاليد قضائية مغربية صرفة ، فهو من ضمن التراث القانوني الذي حملته لنا فرنسا باعتبارها دولة حامية للمغرب ابتداء من معاهدة فاس المبرمة في 30 مارس 1912 .
ففي عهد الحماية كان القضاء الأهلي المتمثل في القضـــــــــــــــاء الشرعي والقضاء المخزني والقضاء العرفي والقضاء العبري يخضع للرقابة المباشرة إما لمندوب الحكومــــــــــة Le commissaire du gouvernement وإما للمراقـب المدنـــــي Le contrôleur civil، وقد كان هذا أن الجهازان يلعبان دورا يقترب أحيانا من دور النيابة العامة ، وبخصوص القضاء الفرنسي ، فقد كانت به نيابة عامة على مستوى جميع درجاته بالشكل السائر أمام قضاء الدولة الحامية نفسه ، نقصد محاكم الصلح والمحاكم الابتدائية ومحكمة الاستئناف بالرباط .
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي عمل على إحداث جهاز للنيابة العامة بالمجلس الأعلى عندما تم تأسيس هذا الأخير بظهيـــــــر 27 شتنبر 1957 ، وذلك ما تم تكريسه في التنظيم القضائي المغربي الحالي الصادر في 15 يوليوز 1974 .
أولا : تعريف النيابة العامة :
يطلق مصطلح النيابة العامة في النظام القضائي المغربي على فئة من رجال القضاء ، يوحدهم جميعا السلك القضائي ويشملهم النظام الأساسي لرجال القضاء – الظهير الشريف بمثابة قانون الصــــــادر فــــــي 11 يوليوز1974- ويقوم بمهام النيابة العامة قضاة بمختلف درجات المحاكم ، كما جاء في تأليفها وتنظيمها في الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 338.74.1 المؤرخ في 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة ( الفصول 2 و 6 و 10 ) .
وبالنسبة للجلسات التي تعقدها هيئة الحكم في القضايا الجنائية ، يعد حضور القاضي الممثل للنيابة العامة بها دائما ، دون مشاركته في التداول وإصدار الأحكام ، عنصرا أساسيا في تشكيلها ، وضروريا لصحة انعقادها ( الفصول 4 و 7 و 11 من نفس القانون المشار إليه أعلاه .
وهكذا يمثل وكيل الملك شخصيا أو بواسطة نوابه النيابة العامة في دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية المعين بها ويمارس الدعوى العمومية تحت مراقبة الوكيل العام إما تلقائيا أو بناء على شكاية شخص متضرر كما يمارس وكيل الملك سلطته على نوابه ، وله أثناء أداء مهامه الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة .
وهكذا يتضح أن الأصل في مهام النيابة العامة أنها تقوم وبمساعدة الشرطة القضائية التي تعمل تحت إشرافها، بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها ، ثم إقامة الدعوى العمومية ضد من يكشف البحث عن ض
لوعه في ارتكاب الجريمة كفاعل أصلي أو شريك أو مساعد ، لتطبق عليه العقوبة المقررة في القانون الجنائي . ومن تم فإن النيابة العامة تنوب عن المجتمع في الدفاع عن حقه في حياة آمنة ، وحماية جميع أفراده من كل فعل يمس بحقهم في الحياة وبحقوقهم المادية والمعنوية ، وذلك عوض إسناد هذه المهمة الخطيرة إلى المجتمع نفسه كما كان سائدا في العهود الغابرة .
ولذلك فيجب على وكيل الملك أن يخبر الوكيل العام للملك بالجنايات التي تبلغ إلى علمه وكذا بمختلف الأحداث والجرائم الخطيرة أو التي من شأنها أن تخل بالأمن العام .
وقد عرف المشرع المصري 3 النيابة العامة بأنها شعبة من شعب السلطة القضائية ، وهي النائبة عن المجتمع والممثلة له وتتولى تمثيل المصالح العامة ، وتسعى في تحقيق موجبات القانون ( المادة الأولى ) ، وتختص أساسا – دون غيرها – بتحريك الدعوى الجنائية ، وذلك بإجراء التحقيق بنفسها أو بمن تنتدبه لذلك من مأموري الضبط القضائي أو بطلب ندب قاض للتحقيق أو بتكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة الجنائية المختصة لمحاكمته ( المادة الثانية ) ، وتباشر النيابة العامة الدعوى الجنائية ، بمتابعة سيرها أمام المحاكم حتى يصدر فيها حكم بات ، وتقوم بأداء وظيفة النيابة العامة لدى محكمة النقض نيابة عامة مستقلة تشكل طبقا لأحكام القانون السلطة القضائية . ولهذه النيابة – بناءا على طلب المحكمة – حضور مداولات الدوائر المدنية والتجارية والأحوال الشخصية دون أن يكون لممثلها صوت معدود فــــــــي المـــــــــداولات ( المادة الثالثة ) ، وهكذا يتضح أن المشرع المصري وسع من الصلاحيات المسندة إلى النيابة العامة وجعلها تنهض بكافة الاختصاصات الأخرى التي تنص عليها مختلف القوانين أو تقتضيها وظيفتها الإدارية .
ثانيا : مهام النيابة العامة
إن غاية الحياة السياسية هي ضمان حقوق الإنسان الفرد ومعاملته كماهية حرة واعتباره على الدوام كغاية .
وعلى هذا فمتى رأى أي شخص نفس أنه متضرر من فعل أو قول غيره له بأن سلب ماله أو عنفه أو اعتدى على عرضه أو ما شابه ذلك ، فإن من حقه اللجوء إلى السيد وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية المتواجد بدائرة نفوذها ، أو يمكنه أن يتقدم إلى الضابطة القضائية من شرطة أو درك تابعة لمراقبة وكيل الملك بالمحكمة المذكورة ، فيسجل شكاية ضد المشتكى به ، مهما كان المشتكـــى به نظرا لأن القانون ينــــــص علــى أن " كل الناس سواسية " أمام القانون ، ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة من دون أية تفرقة و ذلك ما أكده الدستور المغربي المراجع سنة 1996 مادته التاسعة .
وعلى هذا فعلى وكيل الملك كما تنص الفقرة الأولى من المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية رقم 01/22 أن " يتلقى المحاضر والشكايات والوشايات ويتخذ بشأنها ما يراه ملائما " بأن يباشر ما ذكر شخصيا أو بواسطة نوابه الذين يزاولون أعمالهم تحت سلطته .
ولذلك يجب على أعضاء النيابة العامة بذل العناية الواجبة فيما يعرض عليهم من القضايا ، واحترام حرية المواطنين فيما يتخذون من إجراءات ، والحرص على إنزال حكم القانون صحيحا عليها وحسن وزن الأموال ، ومراعاة ملاءمة التصرف للوقائع والأدلة القائمة في الأوراق ، رعاية لجلال الأمانة التي يشرفون بحملها ، كما يجب عليهم التزام الحياد والنزاهة ، في كل ما يصدر عنهم بمناسبة النهوض برسالتهم في تمثيل المصالح العامة ، وحماية الشرعية وتأكيد سيادة القانون .
وعليه فإنه يجب على أعضاء النيابة العامة أن يتوخوا الوصول إلى الحقيقة في شأن المحاضر و الشكايات والوشايات التي يتلقونها وان يتخذوا الإجراءات الكاشفة عنها ولو كانت في مصلحة المتهم ، إذا أن مهمة النيابة العامة ليست البحث عن تحقيق الإدانة ، وإنما حماية القانون والشرعية ، وتحقيق حسن إدارة العدالة .
فمتى حصلت القناعة لوكيل الملك بأن المشتكى به أو المشتكى بهم بأنهم ارتكبوا مخالفات للقانون الجنائي ، فإنه يصدر أمره بتقديمهم ومتابعتهم ، فيعمل على إحالتهم على هيئات التحقيق أو إلى هيئات الحكم المختصة .
كما أنه إذا ما تبين للنيابة العامة من خلال إجراءات البحث التي تقوم بها إما مباشرة أو بواسطة الضابطة القضائية أن المشتكى به لم يقم بأي فعل مخالف للقانون الجنائي فإن وكيل الملك يأمر بحفظ ذلك المحضر أو تلك الشكاية بمقرر يمكن دائما التراجع عنه .
إن إصلاح قانون المسطرة الجنائية كان أمرا منتظرا وواردا منذ أزيد من ربع قرن ، وظل مصدر اهتمام وانشغال ومطالبة جميع الحقوقيين ومختلف الأوساط السياسية والقانونية والقضائية منذ 25 سنة خلت .
ثالثا : النيابة العامة في قانون المسطرة الجنائية الجديد :
تضمن قانون المسطرة الجنائية الجديد الإشارة إلى اختصاص وكيل الملك في المواد من المادة 39 إلى 47 المقابلة للفصول من 37 إلى 45 من قانون المسطرة الجنائية الحالي ، فعدلت المادة 39 الموازية للفصل 37 الحالي المتعلقة بمجال اختصاص وكيل الملك من حيث الصياغة مع الأخذ بعين الاعتبار الفصل الرابع من ظهير الإجراءات الانتقالية .
وتم توسيع مجال اختصاص النيابة العامة أثناء صياغة المادة 40 الموازية للفصل 38 الحالي في حالة القيام بإجراءات البحث والتحري عن الجرائم وذلك عن طريق منحها إمكانية اتخاذ أي إجراء تحفظي تراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ، إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ أي حكم .
لوكيل الملك أيضا طبقا لهذه المستجدات إصدار الأوامر الدولية بإلقاء القبض وإرجاع الحالة وإرجاع المحجوزات وسحب جواز السفر وإغلاق الحدود كلما تعلق الأمر بجنحة معاقب عليها بسنتين حبسا أو أكثر ، وإذا كان هذا الإجراء الأخير يحد من حرية التنقل التي ضمنها الدستور والتي لا يحد من مداها إلا القانون ، فإنه لا ينبغي أن يستغل هذا الحق للفرار من وجه العدالة وإلحاق الضرر بالضحايا ، لهذا ورغبة من قانون المسطرة الجنائية الجديد في تجاوز الصعوبة القانونية التي كان يطرحها عدم وجود نص قانوني يخول للنيابة العامة إجراء إغلاق الحدود وسحب جواز السفر في الحالة التي تبقى فيها الاستدعاءات المتكررة الموجهة بشأنها إلى الجناة غير ذات جدوى ، أو عندما لايمكن وضع هؤلاء تحت الحراسة النظرية نظرا لطبيعة القضية التي تتطلب وقتا، و لإتمام البحث والقيام بالمواجهات والتحريات اللازمة ، عمل على مد النيابة العامة بآلية تمكنها من ملاحقة الفارين بأن منح لها الحق في إغلاق الحدود وسحب جواز السفر والذي من شأنه أن يقطع الطريق أمام المشتبه فيهم سيئي النية ويمكن الضحايا من حقوقهم في أقرب الآجال .
وبمقتضى المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية الجديد أصبح من حق المتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة معاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة مالية لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم ، أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر وفق الشكليات المحددة في الفقرة الثانية من هذه المادة على أن يحيله على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق عليه بمقتضى أمر قضائي – لا يقبل أي طعن – يتضمن ما اتفق عليه الطرفان أداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا مع تحديد أجل لتنفيذ الصلح .
أما المواد 42 ، 43 ، و 44 الموازية للفصول 39 ، 40 و 41 الحالي فقد عدلت من حيث الصياغة فقط .
وصيغت المادة 45 الموازية للفصل 42 الحالي المتعلقة بتسيير وكيل الملك لإعمال ضباط الشرطة القضائية وأعوانها في دائرة نفوذ محكمته وتنقيطهم مع حذف الفقرة الأخيرة من الفصل 42 الحالي المضافة للمادة 36 من المشروع وإضافة الفقرتين الأخيرتين المتعلقتين بمنح وكيل الملك صلاحية زيارة أماكن الحراسة النظرية ومراقبة سجلاتها وتحرير تقرير بمناسبة كل زيارة وإشعار الوكيل العام بملاحظاته ، وذلك في إطار تعزيز المراقبة القبلية لعمل ضباط الشرطة القضائية أثناء مرحلة البحث التمهيدي .
أما المادة 46 الموازية للفصل 43 المتعلقة بالحالات التي يتولى فيها نواب الملك القيام بمهام وكيل الملك ، فقد عدلت من حيث الصياغة فقط ، وحذف الفصل 44 و 45 الحاليين المتعلقين بمحاكم السدد والصلح لملاءمة الوضع مع التنظيم القضائي الحالي .
وتعرضت المادة 47 من قانون المسطرة الجنائية الجديد المقابلة للفصل 76 من القانون الحالي لإجراء استنطاق المشتبه فيه من طرف وكيل الملك في حالة التلبس بجنحة طبقا للمادة 56 مع الاستعانة بترجمان عند الاقتضاء أو إصدار أمر بالإيداع في السجن إذا كانت الجنحة يعاقب عليها بالحبس مع مراعاة مقتضيات المادة 74 .
وفي غير حالة التلبس تطبق المقتضيات أعلاه في حق المشتبه فيه الذي اعترف بجريمة معاقب عليها بالحبس أو ظهرت معالم أو أدلة قوية عند ارتكابه لها مع عدم تركيزه على الضمانات المحددة في الفقرة الأخيرة من هذه المادة ويلتزم وكيل الملك في هذه الحالة بتعليل قراره 1 .
وبعد هذه النظرة الموجزة عن التطور التاريخي لمؤسسة النيابة العامـــة ومفهومها والمهام المسندة لها ، سنتناول بالدراسة والتحليل المهام الجديدة المسندة للنيابة العامة (الفصل الأول) ثم دعم دور النيابة في مكافحة ظاهرة الجريمة (الفصل الثاني) مقتصرين في ذلك على المواد من 39 إلى 47 من قانون المسطرة الجنائيـــــــــة الجديــــــــد ( الظهير الشريف رقم 1.02.255 الصادر في 25 رجب 1423 الموافق 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية )2 .

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا