Thursday, October 18, 2012

دراسة: تصورات حول ضرورة استقلال التفتيش عن السلطة التنفيذية

الشرطة القضائية تخضع إلى ثلاث جهات قضائية مختلفة من حيث السلطة والتسيير والمراقبة
يؤكد جان جاك روسو أن النظام الاجتماعي الأمثل يفترض أن يكون العدل هو الفضيلة الأولى لكافة المؤسسات مثلما أن الحقيقة هي الفضيلة الأولى في كافة أساليب التفكير، ومن eم لا سبيل للتشكيك في عدل مؤسسة العدالة من باب أولى.
ذلك أن السلطة القضائية التي من أهدافها السامية تحقيق الديمقراطية وتنمية قدرات المواطن وازدهاره لا يمكنها في غياب الاستقلال التام عن السلطة التنفيذية أن تقوم بدورها الحقيقي في المجتمع.

المرجعية الرابعة تكمن في مقتضيات الفصل 116 من دستور 2011 الذي ينص على ما يلي: «يساعد المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المادة التأديبية قضاة مفتشون من ذوي الخبرة...»
هذا النص الذي اتخذه البعض سندا لإخراج جهاز التفتيش من سلطة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، هو الذي نعتمده للقول إنه جاء حاسما في اعتقادنا في ما يتعلق بربط جهاز التفتيش القضائي بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية دون غيره.
ذلك أن «المساعد» (بكسر العين) لا يمكنه أو يوفي بمهام المساعدة إلا إذا كـان خاضعـا وتابعا للمساعد (بفتح العين) وإلا لما تحققت الغاية من موضوع وهدف المساعدة.
و المثال الواضح على ذلك نجده في عمل الشرطة القضائية التي جعلها المشرع طبقا لمقتضيات المواد 16 وما بعدها من قانون المسطرة الجنائية تحت سلطة الوكيل العام للملك وتسيير  وكيل الملك ومراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف.
هذا الجهاز يخضع إذن إلى ثلاث جهات قضائية مختلفة من حيث السلطة والتسيير والمراقبة، لكنه يبقى مع ذلك خارج النفوذ القضائي في ما يخص الترقية والتأديب الشيء الذي يجعله في غالب الأحيان يتلكأ في تنفيذ الأوامر الصادرة له من رؤسائه القضائيين تحت عدة ذرائع وذلك لمجرد خضوعه في ذلك لسلطة رئاسية أخرى وقربه منها بحكم استقراره بمقر عملها.
إن هذه الوضعية لا ينبغي أن تتكرر بصدد جهاز التفتيش وإلا فقدت عبارة المساعدة مقوماتها وفقد استقلال السلطة القضائية أحد مقوماته الأساسية.
العبارة الثانية التي استعملها الفصل 116 من دستور 2011 والتي تسير في الاتجاه نفسه في اعتقادنا هي "عبارة قضاة مفتشون من ذوي الخبرة." بمعنى أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية لكي يقوم بمهامه في إطار التأديب بصفة مرضية عليه أن يستعين بمفتشين من القضاة أي باختيار المفتشين من بين القضاة تكون لهم الخبرة اللازمة للقيام بمهمة التفتيش وليس بمفتشين من غير القضاة. وهذا التدقيق في العبارة الدستورية يؤكد تبعية المفتش/القاضي إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية حتى من حيث تأديبه هو نفسه ما دام هذا الأخير هو المؤهل وحده بتأديب القضاة وبالتالي لا مفر من تبني هذا التصور عند إعداد القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وفي هذا الإطار طرح علي وأنا أقدم مذكرة الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء المتضمنة لاقتراحاتها لمراجعة الدستور السؤال التالي: "أنتم في الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء تقترحون إلحاق المفتشية العامة بالمجلس  الأعلى للقضاء، لكن جميع الوزارات لها مفتشيتها كيف ترون مستقبل وزارة العدل بعد تجريدها من مفتشيها؟"
وكان جوابي: "نحن في الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء لا نريد تجريد وزارة العدل من مفتشيتها بقدر ما نسعى إلى فصل اختصاصات المفتشية العامة القضائية وإسنادها للمجلس الأعلى للقضاء عن اختصاصاتها الإدارية التي تبقى مرتبطة بوزارة العدل كباقي الوزارات. إذ لا يعقل أن نسعى إلى إقرار استقلال القضاء عن تبعيته إلى وزير العدل وتبقى المفتشية العامة في شقها المتعلق بتفتيش القضاة والمحاكم تابعة له".
وقد انكبت الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء على إعداد مقترحاتها بخصوص القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ويشرفني بهذه المناسبة أن أضع بين أيديكم تصوراتنا في الجمعية لجهاز التفتيش القضائي على ضوء المبادئ سالفة الذكر والمرجعيات الأساسية لاستقلال السلطة القضائية.
ثانيا: تصورات استقلال التفتيش القضائي عن السلطة التنفيذية
نلخص في هذه الفقرة تصورات الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء لاستقلال التفتيش القضائي عن السلطة التنفيذية من خلال الفصول التي أعددناها في إطار مشروع قانون تنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية:
تحدث بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية مفتشية قضائية عامة يرأسها مفتش قضائي عام يعين من بين قضاة الدرجة الاستثنائية بمقتضى ظهير ملكي باقتراح من الرئيس المنتدب بعد استشارة أعضاء المجلس لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
يساعد المفتش القضائي العام مفتشون قضائيون يعينهم الرئيس المنتدب بعد استشارة أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية من بين قضاة الدرجة الاستثنائية أوالأولى لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
يكون المفتش القضائي العام والمفتشون القضائيون طيلة مدة انتدابهم في وضعية الإلحاق ويتقاضون تعويضا عن المهام والتنقل يحدد مبلغه بمقتضى مرسوم.  يشترط أن تكون درجة المفتش القضائي أعلى من درجة القاضي الذي يجرى البحث معه.
يعهد للمفتشية القضائية العامة بالمهام التالية:
1- تفتيش المحاكم وتقييم سيرها وسير جميع المصالح التابعة لهـا وأسلوب أدائها وطرق إدارتها وكيفية أداء قضاتهـا وموظفيهـا لمهامهم لغاية توحيد   مناهج العمل بها.
2- البحث والتحري في وقائع محددة والتحقق من مخالفتهـا للقانـون وتحرير التقارير بشأنها.
3- تقييم ثروة القضاة وأعضاء عائلاتهم.
4- إرشاد وتأطير القضاة عبر اقتراح مناهج تأهيلهم المستمر.
5- رصد القضاة المتميزين بالكفاءة والتجرد والنزاهة والإنتاج الفكري    والقانوني والمساهمة في تطوير البحث العلمي والاجتهاد القضائـي من أجل اقتراح تحفيزهم وتشجيعهم.
6- رصد الإخلالات المهنية والفساد الأخلاقي والسلبيات التـي تمـس
سمعة القضاء بغية تقويمها أو اقتراح زجرها.
يتخذ التفتيش القضائي مظهرين: التفتيش القضائي العام،  والتفتيش القضائي الخاص.
يتم التفتيش القضائي العام بناء على برنامج سنوي يحدد المحكمة أو المحاكم التي تحتاج إلى تفقد وينصب على المجالات التالية:
- وضعية بناية المحكمة ومختلف مرافقها واحتياجاتها.
- كيفية الولوج إلى المحاكم وطرق استقبال المتقاضين والعموم.
- وضعية الموارد البشرية من قضاة ومواطنين وأعوان ومدى مطابقتها لاحتياجات المحكمة.
- وضعية التجهيزات ومدى استجابتها لاحتياجات المحكمة.
- تقييم شخصية ومردودية المسؤول القضائي بالرئاسة وبالنيابة العامة ومدى قدرته على تحمل المسؤولية والتأطير والإشراف وأخذ المبادرة ومستوى علاقاته البشرية بقضاة وأطر وكتاب وأعوان المحكمة.
- تقييم سير العمل بكل من الرئاسة والنيابة العامة للتأكد من خلال منهجية تحرير المقررات القضائية ومستوى تعليلها من كفاءة القاضـي العلميـة، ونزاهته دون أن يمس التفتيش بمبدأ استقلال القضاء.
- تقييم عمل إدارة كتابة الضبط ووضعية سجلاتها وملفاتها.
- تقييم سير إدارة أعمال النيابة العامة وقضاة التحقيق على ضوء الاختصاصات المخولة لهم بمقتضى القانون.
- جمع المعلومات والمعطيات المتعلقة بسلوك العناصر البشرية من قضاة وموظفين وأعوان   ورصد الفئة التي تستحق التشجيع لاقتـراح تحفيزها والفئة التي تؤثر سلبا على سير وسمعة المؤسسة القضائية لاقتراح التدابير الواجب اتخاذها في حقها.
- تفعيل نتائج التفتيش القضائي العام من خلال الاجتماعات مع المعنيين بالأمر لاطلاعهم    على الملاحظات التي تم رصدها وذلك من أجل إتاحة الفرصة للنقاش وتبادل الرأي والاهتداء لكيفية تفادي السلبيات،.
- تأطير الندوات واللقاءات القضائية الهادفة إلى الحفاظ على تقاليد وأعراف مهنة القضاء.
- إعداد التقارير والمستنتجات المبرزة للمعوقات التي تحول دون تحقيق النجاعة القضائية أو تسبب البطء في سير العدالة واقتراح الحلول أو البدائل الكفيلة بمعالجة تلك السلبيات وإحالتها على المجلس الأعلى للسلطة القضائية لاتخاذ ما يراه مناسبا بشأنها.
- عقد اجتماعات دورية مع هيآت الدفاع للتشاور وتبادل الرأي بخصوص سير المحاكم   باعتبارها شريكا في تحقيق العدالة.
الفصل ...
يتم التفتيش القضائي الخاص بتكليف من المجلس الأعلى للسلطة القضائية بناء على شكاية أوإفادة تنسب ارتكاب تصرفات تمس بسمعة القضاء إلى أحد القضاة أوالمواطنين أوالأعوان التابعين لكتابة الضبط سواء تعلق الأمر بسلوك مهني أوأخلاقي أوبخرق للقانون.
يتوفر المفتش في إطار التفتيش القضائي الخاص على سلطة عامة للتحري والبحث والاستماع إلى كل من يراه مفيدا للكشف عن الحقيقة قبل استفسار القاضي حول ما نسب إليه.   يطلع المفتش القضائي قبل مباشرة عملية التحري والبحث على ملف المعني بالأمر وتقارير رؤسائه المباشرين بخصوص سلوكه وكيفية أدائه لمهامه.
يحرر المفتش القضائي تقريرا مفصلا عن الوقائع والإجراءات المتبعة ويختمه برأيه حول   ما نسب للمعني بالأمر ومقترحاته ويضعه بين يدي المجلس الأعلى للسلطة القضائية بواسطة أمينه العام.
يتولى الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية توجيه نسخة من التقرير مرفقة بتوصياته إلى وزير العدل والحريات إذا تعلق الأمر بموظف أو عون تابع لكتابة الضبط قصد اتخاذ ما يراه مناسبا في حقه.

  بقلم: عبد اللطيف الحاتمي, (دكتور في الحقوق ومحـام بهيـأة الدار البيضـاء)

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا