Saturday, October 13, 2012

دراسة: الاعتقال الاحتياطي والمراقبة القضائية (الحلقة الأولى)


لا يخضع لأي تمديد إذا كان أمام هيآت الحكم

إن الاعتقال الاحتياطي تدبير استثنائي سالب للحرية يتجسد في وضع المتهم بالسجن، وقد أدى الإفراط في ممارسة سلطة الاعتقال الاحتياطي من قبل النيابة العامة وقاضي التحقيق، واكتظاظ السجون نتيجة ذلك إلى ارتفاع أصوات تدعو إلى الحد من اللجوء إليه إلا للضرورة القصوى، ومن هنا كان التفكير في إيجاد تدبير أو تدابير إلى جانبه، وتجلى ذلك في سن المراقبة القضائية التي استحدثت بمقتضى قانون المسطرة الجنائية  الجديد.

تعتبر المراقبة القضائية من أهم المستجدات وتشكل طفرة كبرى في مجال احترام حقوق الإنسان، ومشروع المسطرة الجنائية الجديدة وإن كان في مفهوم المادة159 قد سواها بالاعتقال الاحتياطي عندما اعتبرهما معا تدبيرين استثنائيين يعمل بهما في الجنايات أو في الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالب للحرية فإن هناك بونا شاسعا بينهما، فالمراقبة القضائية تبقى مجرد تدابير (المادة 161)  وهي وإن كانت تحد من حرية الشخص أو من بعض حقوقه فإنها تدابير تخول له أن يبقى حرا في حين أن الاعتقال الاحتياطي يؤدي إلى حرمانه من حريته و الزج به في السجن.
و سنقسم هذا العرض إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الاعتقال الاحتياطي  تعريفه، الاعتقال الاحتياطي أمام قاضي التحقيق وخصائصه، والاعتقال الاحتياطي أمام هيآت الحكم و خصائصه، والمبحث الثاني: المراقبة القضائية تعريفها، الاختصاص في سنها، اختصاص قاض التحقيق والمسطرة المتبعة أمامه، وإلغاء المراقبة القضائية من طرفه، اختصاص هيآت الحكم ، وإلغاء المراقبة القضائية أمامها، والمبحث الثالث: إشكالية لجوء الغرفة الجنحية لوضع المتهم تحت المراقبة القضائية عند النظر في استئناف أوامر قاضي التحقيق المتعلقة بالسراح المؤقت.
المبحث الأول: الاعتقال الاحتياطي
يلاحظ أن المشروع عرف الاعتقال الاحتياطي في موضعين من المسطرة الجنائية، أحدهما اعتد فيه بماهيته وهو ما نصت عليه المادة 159 من كونه تدبيرا استثنائيا، والآخر اعتد فيه بمداه الزمني وهو ما عرفت به الفقرة الثانية من المادة 618 المعتقل بصيغة (يعتبر معتقلا احتياطيا كل شخص تمت متابعته جنائيا و لم يصدر بعد في حقه حكم اكتسب قوة الشيء المقضي به).
وهو تدبير سالب للحرية بموجبه يودع المتهم بالسجن  متى كانت ضرورة التحقيق تقضي ذلك بمبرر جعل المتهم رهن إشارة القاضي لإجراء الاستنطاقات  والمواجهات اللازمة إذا خيف من انه لن يحضر مستقبلا لجلسات التحقيق، أو لأن الاعتقال الاحتياطي فيه حفاظ على أمن المتهم نفسه من آثار أهل المجني عليه، أو لكون هذا الاعتقال فيه حفاظ على النظام لعام إذا كان المتهم يشكل خطرا على المجتمع، و قاضي التحقيق يؤسس أمره بالإيداع بالسجن على مقتضيات المادتين 152 و153  من ق م ج.
خصائصه: إن الاعتقال الاحتياطي أمام قاضي التحقيق يختلف عن الاعتقال الاحتياطي أمام هيئات الحكم  من حيث مدته إذ أن المشرع  حدد مدته أما قاضي التحقيق، و يختلف أمده فيما كانت القضية موضوع التحقيق تكتسي صبغة جنحية أو صبغة جناية.
ففي الجنح تكون مدة الاعتقال الاحتياطي شهرا واحدا قابلة للتمديد مرتين و للمدة نفسها، و إذا لم يتخذ قاضي التحقيق أمرا بالإحالة أو بعدم المتابعة بعد انصرام مدة ثلاثة أشهر فإنه يجب عليه أن يطلق سراح المتهم بقوة القانون و يواصل التحقيق معه في حالة سراح (المادة 176  من ق م ج).
أما في الجنايات فمدة الاعتقال الاحتياطي شهران قابلة للتمديد خمس مرات و للمدة  نفسها، و إذا استنفد قاضي التحقيق أمد الاعتقال الاحتياطي (سنة واحدة) دون أن يتخذ أمرا بالإحالة أو بعدم المتابعة فإنه يجب أن يطلق سراح المتهم بقوة القانون ويواصل التحقيق معه في حالة سراح.
ويلاحظ في هذا المجال وعلى ضوء قانون المسطرة الجنائية الجديد أن الأمر بالإيداع بالسجن الصادر عن قاضي التحقيق والذي يكون سندا للاعتقال الاحتياطي أصبح قابلا للطعن بالاستئناف أمام الغرفة الجنحية استنادا للمادتين 152 و 223 من ق م ج وعلى العكس، فإن ذلك الأمر بالإيداع بالسجن الصادر عن وكيل الملك أو الوكيل العام للملك و الذي يكون سندا للاعتقال الاحتياطي أما هيآت الحكم استنادا للمادتين 47   و73 من ق م ج غير قابل لأي طعن.
أما الاعتقال الاحتياطي أمام هيآت الحكم فلا يخضع لأي تمديد، و يظل المتهم حامل لصفة معتقل احتياطي إلى أن يكتسي الحكم الصادر في حقه قوة الشيء المقضي به (المادة 618) و عندئذ يتحول إلى مدان حسب الفقرة الأولى من المادة نفسها.
المبحث الثاني: المراقبة القضائية
هي جملة تدابير سنها قانون المسطرة الجنائية الجديد كحل وسط ما بين اعتقال المتهم احتياطيا  أو تركه في حالة سراح و الذي لم يكن لقاضي التحقيق من قبل خيار آخر غيرهما، وهذه التدابير تتيح للمتهم أن يبقى حرا وفي الوقت نفسه تضمن حضوره أما قاضي التحقيق في كل آن لمباشرة الاستنطاقات و المواجهات اللازمة معه وتحول بينه وبين الفرار من وجه العدالة.
الاختصاص في سنها: لقد أوكل المشرع سنها بصفة أصلية لقاضي التحقيق، كما أسند سنها أحسانا لمحاكم الموضوع لما تقضي بمنح المتهم السراح المؤقت.
اختصاص قاضي التحقيق: لقد خول المشروع لقاضي التحقيق و عندما يمثل المتهم أمامه لأول مرة أثناء الاستنطاق الأولي أن يضعه تحت المراقبة القضائية بإخضاعه لواحد أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في المادة 161 من ق م ج  والتدابير المتخذة في هذا الشأن تهدف إلى ضمان حضور المتهم لإجراءات التحقيق اللاحقة.
كما يمكن لقاضي التحقيق وبعد أن يكون قد أمر سلفا بإيداع المتهم بالسجن وبعد أن تظهر معطيات جديدة في إجراءات التحقيق اللاحقة تجعل استمرار الاعتقال الاحتياطي غير ذي جدوى أن يمتع المتهم بالإفراج المؤقت مشفوعا بالمراقبة القضائية عملا بمقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 178 من ق م ج .
ويلاحظ في أن المشرع قصر الإفراج المؤقت المشفوع بالمراقبة القضائية على الإفراج المؤقت الذي يأمر به قاضي التحقيق تلقائيا في إطار المادة 178 من ق م ج  وكان عليه أن ينص عليه أيضا في المقتضيات المتعلق بالإفراج المؤقت المؤسس على طلب المتهم أو محاميه في المادة 179 و هو ما لم يفعله، غير أن قضاة التحقيق دأبوا  على منح الإفراج المؤقت مشفوعا بالمراقبة القضائية في إطار المادة 179 رغم  خلو هذا النص من الإشارة إلى المراقبة القضائية.

بقلم:  بوشعيب عسال, قاضي التحقيق باستئنافية سطات
جريدة الصباح

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا