Tuesday, October 16, 2012

دراسة: إصلاح القائمين على العدالة والمحاكمة العادلة


من أهم مقومات مبدأ المساواة القانونية حق التمتع بالضمانات القانونية والفعلية أثناء المحاكمة

من الخطأ استعمال مصطلح (إصـلاح العدالــة) وتحميل (العدالـة) الأخطاء وتلبيسها جرائم الفساد والرشوة والظلم، لأن العدالة صفة من صفات الله المذكورة في أسمائه الحسنى (العدل- الحق..)، وهي قائمة منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، لكن القائمين على العدالة  هم الذين يجب إصلاحهم وليس العدالة،  فهم الذين يرتكبون الأخطاء القضائية القاتلة وينتهكون القوانين باسم العدالة التي أمر بها الله في القرآن الكريم « وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، وهي بريئة منهم ومن الفساد والرشوة والظلم وقد تصل هذه الأخطاء الجسيمة إلى درجة الحكم بالإعدام على مواطن بريء أو حرمانه من حقوقه وحرياته بجرة قلم ولا يقدرون قيمة حرية الإنسان التي لا تقدر بثمن.

تظل الآلة الجهنمية التي ترتكب هذه الأخطاء وتقترف هذه الجرائم التي تحركها وتتحكم فيها أياد إنسانية في منأى ومأمن من المحاسبة والمتابعة والعقاب، ولقد ذكر العلماء الصفات التي يجب أن يتحلى بها القاضي ومنها أن يكون حرا بمعنى مستقلا،  وأن يكون عادلا عارفا بما يقضي به، عالما بالقوانين بحيث يبلغ رتبة الاجتهاد، وأن يكون قنوعا براتبه المهني وأن لا يكون مدينا غارقا في ديونه يبحث عن الاغتناء بأي وسيلة، وألا يبالي بلوم الناس ولا بأهل المال أو الجاه أو النسب أو الحسب.
من أهم مقومات مبدأ المساواة القانونية حق التمتع بالضمانات القانونية والفعلية أثناء المحاكمة أمام محكمة علنية نزيهة حيادية ومستقلة ومكونة بحكم القانون (المادة 11من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) والحق في توكيل محام للدفاع عن المتهم في أي تهمة موجهة إليه (المادة 14 من العهد المذكور)، الحق في افتراض البراءة وأن المتهم بريء أصلا حتى تثبت إدانته بحكم قضائي (المادة 9 من العهد نفسه)، وأكد الدستور الجديد على هذا المبدأ في المادة 119 : « يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به».
ومن مبادئ المحاكمة العادلة كذلك إتاحة ما يكفي من الوقت والتسهيلات لإعداد الدفاع والحق في مناقشة شهود الإثبات وشهود النفي (المادة 14 من العهد الدولي لخاص بالحقوق المدنية والسياسية).
ويعتبر استقلال القضاء من أهم مقومات المحاكمة العادلة، ولا يمكن وصف المحكمة بأنها منصفة إذا كان القضاة القائمون على إصدار الأحكام وإقرار العقوبات غير مستقلين في مهامهم وغير محايدين في اتخاذ قراراتهم، والاستقلالية هنا لا تعني أن القاضي يفعل ما يشاء ويحكم بما يحلو له، بل إن الدستور الجديد حمله مسؤولية ارتكاب الأخطاء القضائية الجسيمة إذ جاء في المادة 109 الفقرة 3 : « يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة «.
ولقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على المساواة التامة بين الناس أمام المحاكم وعلى استقلالية ونزاهة القضاء، وأن البعد عن التحيز شرط جوهري لإجراء محاكمة عادلة، ولقد أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان وهي هيأة مستقلة، من الخبراء تتولى مراقبة تنفيذ الدول الأطراف لمبادئ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن « حق المحاكمة أمام  محكمة مستقلة  ومحايدة حق مطلق لا يجوز استثناء منه « ويقوم هذا الشرط على المبدأ الذي ينص على أن كل جهاز في الدولة يجب أن يتمتع باختصاصات محددة ومقصورة عليه، ومعنى هذا أن القضاء يجب أن يتمتع وحده بسلطة الفصل في القضايا المحالة إليه، ويجب أن لا تتعرض الهيأة ككل وأن لا يتعرض كل قاض على حدة لتدخل في عمله من جانب السلطة التنفيذية أو من جانب أطراف أخرى، ولقد أكد الدستور الجديد على هذا المبدأ في المادة 109 « يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء : ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط.
يجب على القاضي كلما اعتبر أن استقلاله مهدد أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية «.
ومعنى اشتراط الحياد في القضاء أن لا يكون للقاضي آراء مسبقة عن أي قضية ينظر فيها وأن لا تكون له مصلحة في النتيجة التي ينتهي إليها نظر القضية، وقد ذكرت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان أن الحياد يعني « أنه يجب على القاضي ألا يضمر أي آراء مسبقة عن الموضوع المعروض عليه، وعليه أن لا يسلك سبيلا يرجح مصلحة طرف على طرف آخر «.
وتنص المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن : « لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام  محكمة مستقلة نزيهة نظرا عادلا علنيا للفصل في حقوقه والتزاماته أو أي تهمة جنائية توجه إليه «.
ولا يمكن تحقيق العدالة وإصلاح القضاء في ظل قوانين جنائية بالية تتنافى مع المبادئ  والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ومن الأمثلة على ذلك حرمان المتهم من تنصيب محام أثناء البحث التمهيدي أمام الضابطة القضائية لمؤازرته في هذه المرحلة الخطيرة من الاستنطاق، ولا بد من توقيع المحامي على محضر الضابطة  القضائية حتى تكون له مصداقية أمام  المحكمة وتطهيره من جميع الشبهات والإخلالات ، أما مجرد حضور المحامي أمام النيابة العامة (المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية) بصفة شكلية دون تحديد حتى صلاحياته بعد أن تنتزع من المتهم اعترافات وتصريحات في ظروف غامضة، فهو حضور لن يفيد المتهم في شيء، وهو محاولة لحجب منبع الخلل وهو البحث التمهيدي لدى الضابطة القضائية.
أما فيما يتعلق بالسراح المؤقت فإن المادة 74 من القانون نفسه أعطت للنيابة العامة السلطة الواسعة التقديرية لتحديد الكفالة لضمان الحضور أمام المحكمة، وغالبا ما يستفيد الأغنياء من مقتضيات هذه المادة دون الفقراء.
أعتقد أن قانون المسطرة الجنائية هو لصيق بحقوق الإنسان، ولهذا أن التعديلات المدخلة عليه ما زالت بعيدة  عن طموحات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان.
لكن عندما تطغى التوجهات السياسية على القانون ويحاكم الأفراد بسبب آرائهم بناء على فصول قانونية مغلفة برغبات سياسية  لإزالة الخصوم من الساحة، فإن هذه الحالة لا تخدم الديمقراطية ولا تحقق العدل والإنصاف وهي مخالفة لمبادئ الدستور الجديد الذي يضمن حرية الرأي والمحاكمة العادلة، ويجب ترجمة المبادئ الدستورية إلى الواقع حتى يشعر المواطن على أنه فعلا يعيش في ظل دولة الحق والقانون والعدالة والمساواة. إن القطاع الذي يقال عنه إنه أساس الملك يجب أن يكون في أياد نزيهة أمينة لها كفاءات علمية عالية صالحة لممارسة مهنة القضاء التي عرضت على علماء أجلاء فرفضوا توليها لعظمة مسؤوليتها، لأن القضاء، كما يقول بن جزي الغرناطي المالكي :» القضاء بلية يعسر الخلاص منها، ويجب على القاضي قمع الظالمين ونصرة المظلومين وإيصال كل ذي حق إلى حقه «.

بقلم: حسوني قدور بن موسى, محام بهيأة وجدة

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا