Friday, October 19, 2012

مرجعيات حقوق الإنسان والأمن (الحلقة الثانية)


تعامل الأمن مع المشتبه بهم أثناء التحقيق و تدبير الاحتجاج وحدود استعمال العنف المشروع للدولة

أشاد عدد من المتدخلين في اليوم الدراسي الذي نظم، أخيرا، بالمعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة بجرأة التعاطي مع قضايا حقوق الإنسان من طرف المؤسسة الأمنية، واعتبار الأمر تطور مفصلي في مقاربة مصالح الأمن لقضايا مجتمعية هامة.
وحث المشاركون في اليوم الدراسي، الذي نظمته المديرية العامة للأمن الوطني،  على بلورة خلاصات النقاش وإعطائها بعدا موضوعاتيا يتناول مستقبلا مختلف المجالات التي يتقاطع فيها الأمن بحقوق الإنسان، وذلك لتذليل التنافر المفتعل بين مصطلحي الأمن وحقوق الإنسان، ويسمح كذلك بتجاوز التنازع الوهمي بين مفهومي الحرية والنظام العام.
فقضايا الأمن وحقوق الإنسان، حسب المتدخلين، أصبحت تُشكل انشغالا يسائل مختلف السلطات والفعاليات سواء السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو المدنية، ذلك أن مطلب الأمن بقدر ما يعتبر مكسبا جماعيا، فهو أيضا تكلفة جماعية، يجب أن يشارك الجميع في إرسائها وتدعيمها والمحافظة عليها، إذ لا يمكن الحديث عن التنمية المستدامة دون وجود أمن واستقرار سياسي، كما لا يمكن الاستثمار في مكان مضطرب وينعدم فيه الأمن، لأن الرساميل كما يقال جبانة لا تستثمر إلا في الأجواء الآمنة. كما أن التمتع بالحقوق والحريات لا يمكن أن يتم ضمن فضاء موسوم بالفوضى ومشوب باللا أمن.
وتميز اليوم الدراسي بتقديم تسع مداخلات في مواضيع متعددة، لكنها تشترك في فكرة جوهرية مؤداها كيفية التوفيق والموازنة بين تحديات فرض الدولة للأمن وحفظ النظام العام، وبين واجب المحافظة على الحريات الفردية والجماعية بدون تفريط ولا إفراط وبدون شطط أو تجاوز.
وقبل ذلك، كان بوشعيب ارميل، المدير العام للأمن الوطني، ألقى كلمة حدد فيها المخططات العملية والتنفيذية لإستراتيجية إدارة الأمن الوطني في مجال مكافحة الجريمة وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم.
وأوضح ارميل أن هذا اليوم الدراسي يروم المساهمة في بناء شرطة عصرية ذات كفاءة عالية، مجهزة بوسائل ومناهج علمية حديثة، شرطة مواطنة قريبة من المواطن ومعبأة لخدمته، منفتحة على محيطها ومتواصلة مع مختلف الفاعلين، وذات إلمام جيد بمبادئ حقوق الإنسان، وذلك وفق التصور الذي حدده جلالة الملك، كمفهوم جديد للسلطة، وهدفها «حفظ الحريات وصيانة الحقوق وأداء الواجبات وإتاحة الظروف اللازمة لذلك على النحو الذي تقتضيه دولة الحق والقانون»، فمفهوم الجديد يجب أن يقوم «على رعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية والحريات الفردية، والمحافظة على السلم الاجتماعي، وهي مسؤولية لا يمكن النهوض بها داخل المكاتب الإدارية التي يجب أن تكون مفتوحة في وجه المواطنين، ولكن تتطلب احتكاكا مباشرا بهم وملامسة ميدانية لمشاكلهم في عين المكان وإشراكهم في إيجاد الحلول المناسبة والملائمة».
أما المحجوب الهيبة، المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، فقد أكد في مداخلته على التطور الدستوري الذي عرفته منظومة حقوق الإنسان بالمغرب، والتي ارتقى بها الدستور الجديد من مجرد قواعد قانونية إلى مصاف الإلزام الدستوري الذي يسمو على باقي القواعد الأخرى، مبرزا، في السياق نفسه، أن المؤسسات الوطنية التي تمت دسترتها بموجب الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011 قبل أن يقدم توصيات من شأنها تعزيز منظومة حقوق الإنسان تتمثل في إعداد دلائل لضباط الشرطة القضائية ولموظفي الأمن تحدد كيفية التعامل مع المشتبه بهم أثناء التحقيق والاستجواب وكيفية التعاطي مع تدبير الاحتجاج وتبين حدود استعمال العنف المشروع للدولة.
وفي سياق مماثل، أبرز إدريس اليزمي الأدوار الجديدة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في حماية حقوق الإنسان، والقيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها المجلس لمصالح الأمن في هذا الصدد سواء في مجال التكوين أو التحسيس، وهو الطرح نفسه الذي تناوله محمد عبد النبوي، مدير الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل والحريات، لكن من منظور قضائي صرف، إذ استعرض الضمانات القضائية لحماية الحقوق وكفالة الحريات، وأبرز دور السياسات الجنائية في فلسلفة العقاب القائم على الإصلاح بدل الإيلام، قبل أن ينتقل لبسط آليات المراقبة القضائية على عمل الضابطة القضائية ودورها في توطيد مبادئ الحكامة الديمقراطية للأمن وتحقيق الأمن القضائي.
وتناولت باقي المواضيع الحقوق الفئوية للنساء واللاجئين، والممارسات الاتفاقية في مجال حقوق الإنسان، إذ ركزت أمينة بوعياش، نائب الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، على دور الأمن في وضع مقاربة إستراتيجية مبنية على النوع الاجتماعي، تتميز بالفعالية واحترام حقوق النساء، كما استعرضت النائبة البرلمانية خديجة الرويسي، رئيسة جمعية بيت الحكمة، أوجه الشراكة القائمة بين الأمن والمجتمع المدني في حماية الأطفال الجانحين، ثم أوضح الحبيب بلكوش، رئيس مركز دراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، مقومات الحكامة الأمنية الجيدة وتطبيقاتها العملية داخل المؤسسة الأمنية.
وأوضح الحبيب بيهي، أستاذ الحريات العامة وحقوق الإنسان بجامعة محمد الخامس بالرباط، الآليات الوطنية لحقوق الإنسان، مركزا مداخلته على الآليات المؤسسية التي تنشط بموازاة المصالح الأمنية وتشتغل إلى جانبها.

خالد العطاوي

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا