Friday, October 12, 2012

استرجاع حيازة المحلات المهجورة في القانون المغربي


لقد جاء في الفصل 627 من قانون الالتزامات والعقود المغربي أن :" الكراء عقد بمقتضاه  يمنح  أحد  طرفيه للآخر منفعة منقول أو عقار خلال مدة معينة في مقابل أجرة محددة يلتزم الطرف الآخر بدفعها له". والذي يتعلق بموضوعنا هو كراء العقار، وبديهي أن عقد الكراء عقد مؤقت بطبيعته، وعقد تبادلي فهو مؤقت لأنه يتعلق بمدة معينة، وهو عقد تبادلي لأن المالك يضع رهن إشارة المكتري منفعة العقار مقابل مبلغ من المال يؤدى عن مدة محددة  قد  تكون يومية أو أسبوعية أو شهرية أو سنوية...وغالبا ما تكون المدة شهرية.

وتختلف شروط عقد الكراء باختلاف نوع العقار المكترى، فكراء الأراضي  الزراعية  أو الغابات له ضوابط تختلف عن كراء محلات السكنى أو المحلات التجارية ولكن  الذي  يهم  موضوعنا  هو  كراء  محلات  السكنى والمحلات التجارية، وكثيرا ما يعمد بعض المكترين إلى إغلاق المحلات المكراة لهم ويتركونها دون تفقدها ودون أداء ما ترتب عنها من وجيبات الكراء فتصبح تلك المحلات معرضة للتلاشي والتلف  والخراب، ولا يخفى  ما في  ذلك من ضرر على مالكيها الذين يتحملون تكاليف صيانتها ويؤدون الضرائب عنها، وقد يصل  الأمر  أحيانا  إلى  خضوعهم  وهم محرومون من استغلالها ومن حيازتها واستعمالها فيما أعدت له، ولا يخفى ما في ذلك من ضرر كبير وظلم عظيم.

والواقع أن بعض المكترين قد اعتادوا كراء العقار وأداء مبلغ كرائه مسبقا لمدة شهر أو شهرين، ثم بعد ذلك يختفون عن المالك وينقطعون عن أداء الكراء، ولما  يظهرون  ويطالبهم  المالك  بالأداء  يقومون  بمساومته  وابتزازه عند الاقتضاء مقابل إرجاع المحل إليه، وإلا تركوه مغلقا  ولما  يرفع  المالك  دعوى  المطالبة  بأداء الكراء يتعذر تبليغ الاستدعاء فتطول القضية في الإجراءات لعدة سنوات والمالك محروم من ملكه ومن  استعماله  واستغلاله وفي نفس الوقت ملزم بأداء الضرائب المترتبة عليه، والعقار معرض للخراب، كما أن  بعض  المكترين  يتماطلون  في  أداء الكراء لعدة سنوات وعندما يصبح الحكم قابلا للتنفيذ يفرون ويتركون المحل فارغا من أمتعتهم  ومقفلا  فيتعذر على المالك حيازته. وقد أصبحت هذه الحالات مألوفة بكثرة  في  المحاكم  يعرفها  كل  من  له  علاقة  بهذا  الموضوع.

وليس أمام المالك أي حل سوى الرجوع إلى القضاء لاسترجاع حيازة ملكه وهنا يطرح الإطار القانوني الذي ينبغي سلوكه لاسترجاع حيازة المحل ثم ما هي الإجراءات التي على  القضاء القيام بها لإصدار  قرار  باسترجاع  حيازة المحل فالموضوع يمكن إذن معالجته في ثلاثة فصول:

الفصل الأول: الإطار القانوني لتقديم طلب استرجاع حيازة محل.
الفصل الثاني: الإجراءات بعد تقديم الطلب.
الفصل الثالث: الآثار المترتبة عن القرار الصادر في الموضوع.

فلنبحث في كل فصل من هذه الفصول:

الفصل الأول: الإطار القانوني لتقديم طلب استرجاع حيازة محل

إن تقديم أي طلب للقضاء قصد الحصول على أمر أو قرار أو حكم يتوقف على سلوك إجراءات معينة حددها القانون وهي ما يطلق عليه اسم المسطرة، وعندما يكون الطلب مستوفيا لشروطه الشكلية أو المسطرية فإن القاضي ينتقل إلى تطبيق القواعد الموضوعية المتعلقة بالنازلة، غير  أن  كثيرا  من  الطلبات  التي  تعرض  خصوصا  على  قاضي المستعجلات لا تتطلب الرجوع إلى القوانين الموضوعية بالمعنى الضيق وذلك لأنه ليس الهدف  منا  هو  الحصول على حكم في الجوهر وإنما هو القيام بإجراءات مؤقتة لحفظ حقوق متنازع عليها  من  الضياع،  وهذه  الإجراءات الوقتية تنظمها عادة نصوص لمسطرة المدنية. وهناك إجراءات وقتية نص  عليها  قانون  المسطرة  المدنية  بكيفية صريحة كالمعاينات والترخيص بالحجوز وتوجيه الإنذارات وإثبات الحالات،  وكن  هناك  إجراءات أخرى لم يقع النص عليها بصفة صريحة ومع ذلك يمارسها قاضي المستعجلات في إطار السلطة التقديرية الممنوحة له بمقتضى الفصلين 148و149 من ق.م.م.

أما الطلبات الرامية إلى استرجاع حيازة المحلات التجارية أو المعدة للسكنى فإنه لم يقع النص عليها بصفة صريحة سواء في الفصل 148و149 من ق.م.م. وهناك الفصل 450 الذي ينص على ما يلي:

يأذن الرئيس لعون التنفيذ في فتح أبواب المنازل والغرف والأثاث لتسهيل التفتيش في حدود ما تقتضيه مصلحة التنفيذ.

ومعلوم أن تطبيق هذا الفصل يقتضي أن يكون هناك سند تنفيذي أي أن يكون هناك حكم أو قرار قابل للتنفيذ وذلك كأن يحكم على المدعى عليه بإفراغ المحل وبعد أن يكون الحكم قابلا للتنفيذ يقوم المحكوم بإغلاق المحل ويختفي، وهذا كثيرا ما يقع ففي هذه الحالة يأذن الرئيس لعون التنفيذ في فتح أبواب المنازل والغرف والأثاث لتسهيل التفتيش في حدود ما تقتضيه مصلحة التنفيذ أو كأن يصدر قرار بإجراء حجز تحفظي أو ارتهاني على منقولات المدين، ولما يذهب مأمور التنفيذ إلى المحل المطلوب إجراء الحجز فيه يجده مغلقا، ففي هذه الحالة كذلك يمكن لرئيس أن يأذن لعون التنفيذ وقد نص المشرع في هذا الفصل على المنازل لأن المحلات التجارية تكون عادة مفتوحة أمام الجمهور ولذلك لا داعي لإصدار قرار للترخيص بفتحها لأجل إجراء الحجز الذي يكون عادة مباغتا، ثم إن النص على المنازل يفهم منه على ما أعتقد أن المشرع حريص على القيام بتنفيذ الأحكام والقرارات بجميع الطرق القانونية وفي جميع الأماكن، ولو تعلق الأمر بمحلات السكنى رغم مالها من حرمة وحماية بنص الدستور، وإذا كان الرئيس يأذن في فتح أبواب المنازل والغرف والأثاث وهي الدواليب والحقائب وغيرها.

فإنه من باب أولى أن يأذن بفتح المحلات التجارية والصناعية وذلك لتسهيل التفتيش عن الأشياء التي يمكن إجراء التنفيذ عليها أو حجزها والكل طبعا في حدود ما تقتضيه مصلحة التنفيذ، ومعلوم أنه يجب على مأمور التنفيذ بعد إنهاء مهمته أن يسد المحل الذي تمت فيه عملية التنفيذ ويضع مفاتيحه بقسم التنفيذ إلى أن يحضر صاحب المحل وهذا ـ طبعا ـ ما لم يكن هناك حكم قابل للتنفيذ بإفراغه فإن كان هناك حكم بإفراغه لفائدة من له الحق فيه فإنه يتعين تسليمه إليه بعد إحصاء جميع الأشياء الموجودة فيه وتدوينها بمحضر قانوني ووضعها بقسم التنفيذ وإن كانت مما يسهل نقله وحفظه بقسم التنفيذ، فإن كانت غير ذلك كأثاث المنازل والأواني وغير ذلك من الأشياء التي تشغل حيزا كبيرا من الفراغ فإنه يتعين وضعها تحت عهدة طالب التنفيذ الذي يمكنه طلب بيعها بالمزاد العلني ووضع  المتحصل منها بصندوق المحكمة بعد خصم المصاريف لمن له الحق فيه. وذلك طبقا للفصل 447 من ق.م.م ولما كان الفصل 450 لا يلجأ إلى تطبيقه إلا عند وجود سند قانوني فما هو الفصل أو الفصول القانونية التي تطبق في حالة فتح محل مغلق أو مهجور.

لقد درج القضاء على أن هذه الطلبات تطبق عليها مسطرة القضاء الاستعجالي المنصوص عليها في الفصلين 148و149 وما يليه من قانون المسطرة المدنية المؤرخ في 28-9-74، غير أنه ما زال هناك خلاف حول الفصل الذي يتعين تطبيقه على تلك الطلبات وقد ساير هذا الخلاف السادة المحامون كذلك فبعضهم يقدم طلباته في إطار الفصل 148 والبعض الآخر يقدمها في إطار الفصل 149، وهناك من يسكت عن ذكر الفصل المقدم في إطاره الطلب ويكتفي بتقديمه لرئيس المحكمة بصفته قاضي المستعجلات.

وقد سبق للأستاذ محمد النجاري وهو ينتمي إلى سلك القضاء أن نشرت له مجلة رابطة القضاة في العددين 14،15 ص 18 بحثا تحت عنوان :" طلبات فتح المحلات المغلقة". وقد رجح فيه تطبيق الفصل 149 في هذه الحالة لأنه أضمن لحقوق الغائب ولأن صدور أمر في إطار هذا الفصل يكون قابلا للاستئناف لا يقبله في إطار الفصل 148 من تساويهما طبعا في الحجية المؤقتة).

وأرى أن الطلب ينبغي تقديمه في إطار الفصلين معا أو الفصل 148، وذلك لأن الفقرة 1 من الفصل 149 قد نصت على أن رئيس المحكمة يمكنه أن يبث في الحالات المنصوص عليها في الفصل 148 بصفته قاضي المستعجلات فقد ورد فيها...بالإضافة إلى الحالات المنصوص عليها في الفصل السابق والتي يمكن لرئيس المحكمة الابتدائية أن يبث فيها بصفته قاضيا للمستعجلات.

وما دام الأمر كذلك فإنه يتعين على المدعي تقديم الطلب في إطار الفصلين 148و 149 من ق.م.م ليتمكن قاضي المستعجلات من البث في الطلب إما في إطار الفصل 148 إذا كان الطلب مرفقا بما يدل على أن المحل المطلوب فتحه مغلق ومهجور ولم يؤد وجيبات الكراء، وفي هذه الحالة يمكن لرئيس المحكمة أن يبث في الطلب في مكتبه إن رآه جاهزا أو  يدرجه في أقرب جلسة ويحيل الملف على النيابة العامة للاطلاع وذلك استنادا للفصل 9 من ق.م.م وخصوصا الفقرة 4 منه. ثم يبث فيه بعد ذلك.

وأما إذا كان الطلب غير مرفق بما يدل على أن المحل المطلوب فتحه مغلق ومهجور ولم تؤد عنه مبالغ الكراء المترتبة عليه فإنه يتعين القيام بالإجراءات التي تراها في الفصل الثاني.

الفصل الثاني: الإجراءات بعد تقديم الطلب

إن الطلب الرامي إلى فتح محل مغلق ومهجور ولم تؤد عنه مبالغ الكراء يجب أن يكون مرفقا بما يدل على صفة المدعي بصفته مالكا أو مكريا بتسيير المحل من طرف مالكه، أو مالكيه على الشياع باعتباره وكيلا عنهم أو متكلما باسمهم وليس من الضروري مطالبة المدعي بما يثبت ملكيته للمحل من لأننا لسنا بصدد دعوى استحقاق، وإنما يكفي أن يدلي بما يثبت أنه هو المكلف بالمحل من طرف مالكه الحقيقي أو أنه هو الذي وضع فيه المكتري الذي أغلقه وهجره ولم يؤد عنه مبالغ الكراء.

وغالبا ما يكون الطلب مرفقا بمحضر إثبات حال محرر من طرف كاتب الضبط بناء على طلب يتقدم به المدعي في إطار الفصل 148 من ق.م.م.

وأعتقد أن هذا المحضر غير كاف للدلالة على أن المكتري قد غادر المحل وتركه مغلقا مدة ولم تؤد عنه مبالغ الكراء لأن هذا المحضر إنما يتضمن غالبا تصريحات المدعي أو أشخاص أحضرهم لكاتب الضبط، ولذلك ينبغي توجيه كتاب للنيابة العامة يتضمن طلب إجراء بحث حول المحل المطلوب فتحه وذلك لبيان مدة إغلاقه وهل هناك من يتفقده، وهل تؤدى مبالغ الكراء ومنذ متى لم تؤد مبالغ الكراء ثم يحرر محضر في الموضوع ويوجه لرئيس المحكمة داخل أجل معين، وإذا لم يجر البحث المذكور رغم مرور ذلك الأجل وتوجيه تذكير في الموضوع، فإنه يمكن إحالة الملف على النيابة العامة لتقديم مستنتجاتها وذلك باعتبار أن المكتري من الأشخاص المفترضة غيبتهم ثم البت في الطلب، وذلك بعد استدعاء المدعى عليه ووضع الاستدعاء بالمحل المطلوب فتحه لمدة 15 يوما على الأقل، وأعتقد أنه من الأفضل إدراج الملف في جلسة استعجالية علنية والنداء على المدعى عليه لأن ذلك أضمن للتحقق من غيبته ومن الناحية العملية كثيرا ما ينادى على المدعى عليه فيحضر إما صدفة، وإما لأنه سبق أن نودي عليه وسمع بعض الحاضرين اسمه وأخبره أنله دعوى بالمحكمة فيسرع إلى التعرف عليها ويخبر بتاريخ الجلسة فيحضر أو يحضر عنه محام أو يحضر لأنه تفقد المحل فوجد به الاستدعاء، وهناك يتضح سبب غيبته وما إذا كان يتفقد المحل أم لا.
كما يتضح النزاع بينه وبين المالك إن كان قائما حول سومة الكراء أو أدائها.

وإذا وقع البث في الطلب في إطار الفصل 149 من ق.م.م. فإنه يتعين التصريح بتنفيذه على الأصل وإلا بقي معلقا بدون تنفيذ لمدة طويلة يبقى معها القرار الصادر بدون فائدة لأنه يتعذر تبليغه إلا عن طريق القيم وذلك يتطلب وقتا طويلا يبقى فيه المحل مغلقا والمالك محروما من استغلاله أو الانتفاع به.

وأما البث في الطلب في إطار الفصل 148 من ق.م.م. فإنه أقل ضمانة رغم الأبحاث التي تجرى قبل البث في لطلب كما أنه يتنافى مع مبادئ التقاضي الأساسية ومنها على الخصوص علنية الجلسات، لأن الأمر لا يتعلق بمجرد إجراء وقتي لا يمس جوهر النزاع ينبغي إجراءه بكيفية سرية، وإنما يتعلق بالجوهر نفسه لأن الأمر يتطلب فتح محل مغلق ونتيجته العملية هي الإفراغ الفعلي وإرجاع المحل لمالكه أو من له الحق فيه وبذلك فكلما كانت الإجراءات علنية كانت الضمانات أوفر والبعد عن الخطأ أكثر.

وبعض السادة رؤساء المحاكم لا يبتون في الطلب إلا بعد إشهاره بالجرائد وأعتقد أن هذا الإجراء وإن كان يزيد في ضمان حقوق الشخص الذي كان يحتل المحل إلا أنه يثقل كاهل المدعي بمصاريف لا مبرر لها، لأنه قد حرم من استغلال محله والانتفاع به، وعوض مساعدته على استرجاعه يكلف بإضافة مصاريف الإشهار، وقد يكون فقيرا معدما لا يملك سوى المحل الذي حرم منه، وقد يكون الأمر متعلقا بأيتام لا حول لهم ولا قوة، وتكليفهم بأداء مصاريف الإشهار قد يعجزهم عن متابعة المسطرة ولو مؤقتا، فيؤدي ذلك لضياع حقوق بدون مبرر ولذلك لا نرى فائدة في الإشهار عن طريق الجرائد إلا عند الضرورة وإنما يكفي إجراء الأبحاث بواسطة كتابة الضبط والضابطة القضائية، ووضع الاستدعاء بالمحل المطلوب فتحه، وبعد ذلك يصدر القرار بفتحه في حالة عدم حضور من كان يحتله.

أما عن مدة إغلاق المحل التي تبرر فتحه في حالة عدم أداء الكراء وعنه فليس هناك أي مدة محددة قانونية، وأعتقد أنه ينبغي أن تتعدى المدة ثلاثة أشهر على الأقل إذا كان المحل المطلوب فتحه محلا للسكنى أو الاستعمال المهني وذلك قياسا على أن الإنذار بإفراغ محلات السكنى أو الاستعمال المهني يجب أن يوجه قبل ثلاثة أشهر من انتهاء العقد أو يمنح للمكتري أجل ثلاثة أشهر للإفراغ، الفصل 9 من ظهير 25-12-80. بشأن تنفيذ القانون رقم 79/6.

والواقع أن هذا القياس غير صحيح لوجود الفارق، وهو ليس قياسا بالمعنى المنطقي، وإنما وقع اللجوء على مدة ثلاثة أشهر لأنها تعتبر المدة المعقولة التي ينبغي أن تمر على إغلاق المحل المطلوب فتحه والذي لم تؤد عنه مبالغ الكراء ولا ينبغي أن تقل مدة الإغلاق عن ثلاثة أشهر ولو توفي المكتري ووقع الأداء بمحضر وفاته لأنه من المحتمل غالبا أن يكون له ورثة يرغبون في استمرار العلاقة الكرائية معهم، وذلك من حقهم قانونا الفصل 18 من القانون79/6.

أما بالنسبة للمحلات التجارية فإن مدة إغلاق المحل ينبغي أن يتعدى ستة أشهر وذلك لأن الإنذار بإفراغ المحلات التجارية يجب أن يمر عليه ستة أشهر كما هو منصوص في ظهير 24 مايو 1955، وهذه المرة ليست كسابقتها من باب القياس المنطقي وإنما يلجأ إليها لأنها المدة المعقولة التي تدل على أن مستغل المحل قد هجره وذلك في حالة عدم أداء مبالغ الكراء عنه.

والجدير بالذكر بأنه ينبغي ألا يصدر القرار بفتح المحل سواء كان معدا للسكنى أو الاستعمال المهني أو تجاريا إلا بعد مرور المدة المذكورة  وإجراء الأبحاث التي تفيد أن المحل مغلق بالفعل وأنه لا يتفقده أي أحد، وأنه لم تؤد عنه مبالغ الكراء أما إذا كانت مبالغ الكراء تؤدى عن المحل فإنه لا يصدر قرار بفتحه في إطار هذه المسطرة مهما بقي مغلقا، وإنما يجب اللجوء إلى قاضي الموضوع وإتباع المسطرة المنصوص عليها في القانون والمتعلقة بإفراغ المحل المطلوب.
ولكن قد يحدث أن يعمد شخص إلى ترك المحل مغلقا وبدون أداء الكراء عنه ويترك مفتاحه لشخص آخر يتفقده فقط ولا يؤدي مبالغ الكراء عنه، وكلما طلب فتح ذلك المحل يحضر الشخص ويدعي أنه مكلف يتفقده فقط، ولكنه لا ينوب عن المكتري، فهل يصدر قرار بفتح المحل في مثل هذه الحالة ؟

أعتقد أن هذه الوضعية إنما تدل على أن لمكتري الحقيقي لم تعد له رغبة جدية في أداء الكراء عن المحل والاحتفاظ به، وأنه لما سلمه لذلك الشخص يتفقده إنما غرضه هو ابتزاز مالك العقار وأخذ مبالغ منه بدون مبرر شرعي مقابل إرجاع ذلك المحل إليه وإلا بقي المحل مغلقا، وكلما استدعي لأداء الكراء أو الإفراغ رجع استدعاؤه بدون نتيجة ويتعذر القيام بأي إجراء قانوني وهكذا يبقى المحل بدون أداء مبالغ الكراء عنه وبدون استغلاله، وأعتقد أنه في مثل هذه الحالة ينبغي إرجاع المحل لمن له الحق فيه، وإذا ظهر المكتري وأبدى رغبته الجدية فإنه يمكن دراسة طلبه كما سيأتي في الفصل بعده.

الفصل الثالث: الآثار المترتبة عن القرار القاضي باسترجاع حيازة المحل

إذا ثبت ما يبرر استرجاع حيازة المحل وتوفرت الشروط اللازمة لذلك، وهي أن يكون المحل مغلقا مدة ثلاثة أشهر على الأقل إن كان معدا للسكنى أو الاستعمال المهني أو خلال ستة أشهر على الأقل إن كان محلا تجاريا وألا تؤدى عنه مبالغ الكراء خلال هذه المدة، ولا يتفقده المكتري خلال تلك المدة ويبدي رغبته في الرجوع إليه بكيفية جدية، فإنه يمكن إصدار قرار بإرجاع حيازته لمن له الحق فيه.

وإذا صدر القرار في إطار الفصل 148 من ق.م.م فإنه يمكن طلب تنفيذه وفتح المحل حالا وتسليمه لمن له الحق فيه، أما إذا صدر في إطار الفصل 149 من ق.م.م. فإنه يتعين التصريح بتنفيذه على الأصل حتى لا يبقى حبرا على ورق مدة طويلة في انتظار  إجراءات التبليغ للقيم ومرور الآجال القانونية، وذلك لأن القانون يوجب على رئيس كتابة الضبط أو من ينوب عنه ألا يسلم النسخة التنفيذية بالنسبة للأحكام والقرارات الصادرة في إطار الفصل 149 من ق.م.م إلا بعد رجوع الملف من إدارة التسجيل الفصل 76 من المحلق الأول من قانون المالية لسنة 1984. ثم  إنه لا يتم التنفيذ إلا بعد التبليغ، ومعلوم أن التبليغ للمدعي عليه متعذر وليس هناك إلا التبليغ للقيم وذلك يتطلب إجراءات طويلة ومن أجل ذلك كله فإن النص على التنفيذ على الأصل يغني عن هذه الإجراءات كلها وهنا تظهر فائدته، وبعد صدور القرار على هذه الكيفية تأتي مرحلة تنفيذه وبعد أداء رسوم التنفيذ وفتح ملف التنفيذ يتوجه مأمورا التنفيذ صحبة المعني بالأمر إلى المكان المطلوب فتحه فيقوم بفتحه بدون أي أمر آخر ويسلمه للمدعي وقد يجده فارغا فيحرر محضرا بذلك وتنتهي الإجراءات.

أما إذا وجد فيه أمتعته أو أشياء أو سلعا، فإنه يتعين عليه عدها ووصفها وتدوينها بمحضر ووضعها أمانة لدى المدعي الذي يمكنه بعد ذلك نقلها وبيعها عن طريق المزاد العلني ووضع المتحصل منها بصندوق المحكمة طبقا للفصل 447 من ق.م.م وقد يستفيد المدعي نفسه من ثمنها إن كان يتوفر على سند تنفيذي بأداء مبلغ من المال وإلا بقيت بصندوق المحكمة إلى أن تتملكها الدولة بالتقادم.

وإذا ظهر المكتري بعد صدور القرار وقبل تنفيذه تقديم طلب صعوبة في التنفيذ لظهور واقعة بعد صدور القرار ويبث فيه رئيس المحكمة أو من ينوب عنه ويمكنه إيقاف التنفيذ ويحيل الأطراف على الجهة المختصة للبث في الجوهر.

وأما إذا ظهر المكتري بعد التنفيذ والتسليم المحل لمالكه وطلب إرجاع المحل إليه، فإنه قد تثار عدة إشكالات في هذه الحالة وقبل التعرض لهذه الاشكالات فإنه يتعين الإشارة إلى أن الاستجابة لطلب المكتري تتطلب تبرير غيبته من جهة، ومن جهة أخرى تتطلب رغبته في استمرار العلاقة الكرائية، وبما أن عقد الكراء مؤقت بطبيعته وعقد تبادلي  ويعوض، فإن إثبات الرغبة في استمرار العلاقة الكرائية لا يتم بمجرد القول أو التعبير عن ذلك في طلبه، وإنما يتحتم عليه أداء جميع المبالغ المترتبة عليه بالفعل وإذا اكتفى بالتعبير عن رغبته في استرجاع المحل دون أداء المبالغ المتربة عنه، فإنه يتعين على قاضي المستعجلات التصريح بعدم الاختصاص في البث في الطلب باعتباره يمس بالجوهر لأن إرجاع لمكتري إلى المحل بدون أداء الكراء عنه يمس بحقوق المكري في الصميم ويمنعه من حيازة ملكه، وينقل تلك الحيازة أداء إلى المكتري بدون مقابل  مؤقتا على الأقل، ثم إن ذلك الإرجاع بدون أداء الكراء يجعل القاضي متناقضا مع نسفه فعندما أصدر القرار قد بناه على أن المكتري غاب عن المحل وتركه مهجورا ولم يؤد الكراء عنه، وقد تبت له ذلك كله قبل إصدار الأمر بتسليم  المحل لمالكه.

فإذا تراجع عنه لمجرد حضور المكتري، فمعنى ذلك أن الإجراءات التي قام بها قبل صدور الحكم غير صحيحة، مع أنها صحيحة في الواقع فالأبحاث المجراة من طرف جهات مختلفة وهي معاينة كتابة الضبط ـ الشرطة القضائية ـ وضع الاستدعاء بالمحل لمدة 15 يوما على الأقل قبل فتحه كلها تثبت أن المحل مغلق ومهجور كما أن مبالغ الكراء لا تؤدى عنه لأن المكتري نفسه لم يثبت ذلك، والمطالبة بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل صدور الأمر إنما تعني في الواقع أن يبقى المحل مغلقا كما كان ومهجورا ولا تؤدى عنه مبالغ الكراء، وأعتقد أن قاضي المستعجلات ليس ذلك من مهامه، أما عرض النزاع على قضاء الموضوع فله مساطر أخرى لها مميزاتها وستطرح فيها عادة إشكالات تتعلق بتنفيذ كل طرف الالتزامات، وتمسك كل طرف بالدفع بعدم التنفيذ إذا توفرت شروطه، إلى غير ذلك من الأمور التي يمكن أن تطرح أمام قضاء الموضوع.

وأما إذا حضر المكتري وأثبت أنه غير مدين بمبالغ الكراء كأن يكون قد أداها بالفعل للمكري سواء مقابل وصل أو وضعها له بصندوق المحكمة أو وجهها عن طريق البريد أو وضعها في حسابه بمؤسسة مالية أو أدى عنه ديونا بإذنه أو ضرائب فإنه يتعين إصدار قرار بإرجاعه للمحل لأن الوقائع التي ينبني عليها صدور الأمر بإرجاع الحيازة للمكري قد تبين أنها لم تكن صحيحة بسبب كذب المكري أو كتمانه.

والجدير بالذكر أنه يتعين إصدار قرار بإرجاع المكتري إلى المحل بمجرد ثبوت أداء الكراء عنه، ولو تبت أنه قد غاب عنه بالفعل وأغلقه، لأن الغياب في حد ذاته لا يخول للمكري طلب استرجاع حيازة المحل في إطار هذه المسطرة لأن من حق الشخص أن يكتري أكثر من محل في أي مكان يريد ويؤدي عنه الكراء ويحتفظ به متى شاء ما دام ينفذ التزاماته، وليس أمام المكري في هذه الحالة إذا أراد استرجاع المحل إلا سلوك المسطرة المنصوص عليها في القانون الخاص بمحلات السكنى أو التجارة.

ومن المشاكل التي قد تطرح بعد تنفيذ القرار بإرجاع حيازة لمحل للمكري أن يكون المكري قد تصرف في المحل بالبيع أو الكراء وفي هذه الحالة يصعب إرجاع المكتري إلى المحل من جديد، لأن ذلك يتوقف على سوء نية المكري والمتصرف إليه معا، أما إذا لم يثبت سوء نية المتصرف إليه فإنه لا يبقى للمكتري إلا الرجوع على المكري بالتعويض إن كان له محل، والحكم بالتعويض يتوقف على مقدار المدة التي أصبح فيها المكري حائزا للمحل وعلى مدى سوء وحسن نية كل من الطرفين في تنفيذ التزاماته وأعتقد أن ذلك من الحالات الخاصة بقضاء الموضوع الذي يبث فيها وفق ما تقتضيه قواعد العدالة، وبناء على ما يثبت من حسن وسوء نية كل من الطرفين.

وأما إذا كان المحل الأول لازال بيد المكري وقد صدر قرار بإرجاعه للمكتري فإنه يتعين تنفيذه إذا بقي المحل على ما هو عليه، ولكن إذا أدخلت عليه تعديلات بالتغيير أو الهدم  فإن الأمر يعتبر من اختصاص قضاء الموضوع يبث فيه بناء على العناصر المتوفرة لديه كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

ومما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع هو التضارب والخلاف الواقع بين رجال القضاء حول المسطرة التي ينبغي اتباعها لاسترجاع المحلات المهجورة ثم الخلاف حول كيفية تنفيذ القرارات الصادرة في الموضوع، ثم الخلاف كذلك في المساطر التي تتبع بعد ظهور  المكتري والإعراب عن رغبته في استرجاع المحل الذي تم تسليمه للمكري، وكان سبب هذا الخلاف هو غياب نصوص قانونية واضحة لمعالجة الموضوع رغم أهميته ودقته/ ومما فتح مجالا للاجتهاد القضائي فصدرت قرارات مختلفة من حيث المساطر التي ينبغي اتباعها، ولا يتسع المجال لذكرها.

وإنني لا أزعم أن هذا الاجتهاد الذي اعتمدته هو المثل الأعلى الذي ينبغي أن يقتدى به، وإنما أرغب في إثارة الموضوع باشكالاته ليوفيه الممارسون والمتمرسون حقه ، ومع ذلك أستطيع القول بأن تطبيق المساطر المشار إليها كان مفيدا جدا وساعد على حل كثير من المشاكل.
والله ولي التوفيق.



د. بحماني إبراهيم
مجلة المرافعة العدد 4 ص 31

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا