Saturday, October 13, 2012

دراسة: الاعتقال الاحتياطي والمراقبة القضائية (الحلقة الثانية)


المشرع لم يخول للنيابة العامة حق طلب وضع المتهم تحت المراقبة القضائية


إن الاعتقال الاحتياطي تدبير استثنائي سالب للحرية يتجسد في وضع المتهم بالسجن، وقد أدى الإفراط في ممارسة سلطة الاعتقال الاحتياطي من قبل النيابة العامة وقاضي التحقيق، واكتظاظ السجون نتيجة ذلك إلى ارتفاع أصوات تدعو إلى الحد من اللجوء إليه إلا للضرورة القصوى، ومن هنا كان التفكير في إيجاد تدبير أو تدابير إلى جانبه، وتجلى ذلك في سن المراقبة القضائية التي استحدثت بمقتضى قانون المسطرة الجنائية  الجديد.
مسطرة المراقبة القضائية أمام قاضي التحقيق: عندما يمثل المتهم أمام قاضي التحقيق سواء في إطار دعوى عمومية محركة من طرف النيابة العامة (المطالبة بإجراء تحقيق) أو محركة من طرف المتضرر (الشكاية المباشرة) ويقتضي نظره إخضاعه للمراقبة القضائية  طبقا للمادتين 160 و161 من ق م ج،   فإنه يصدر أمرا معللا بأسباب يبلغه فورا وشفاهيا للمتهم كما يبلغه للنيابة العامة داخل أربع و عشرين ساعة، وينص على هذا التبليغ في آخر محضر الاستنطاق.
ويحق للنيابة العامة وللمتهم ودفاعه استئناف الأمر القاضي بالوضع تحت المراقبة القضائية و يمتد أجل الاستئناف إلى اليوم الموالي لصدور الأمر، و تبث الغرفة الجنحية في هذا الاستئناف داخل خمسة أيام من تاريخ إحالة الملف عليها.
ويلاحظ في هذا المجال أن المشرع وإن خول للمتهم استئناف أمر قاضي التحقيق بوضعه تحت المراقبة في إطار المادة 160 من ق م ج   فإنه أغفل النص على ذلك في المادة 223 من القانون نفسه التي حددت على سبيل الحصر الأوامر القابلة للاستئناف من طرف المتهم الواردة في باب «استئناف أوامر قاضي التحقيق» والتي غالبا ما تعتمدها الغرفة الجنحية عند البت في استئناف أوامر قاضي التحقيق والتي على ضوئها إما أن تقضي بقبول الاستئناف أو بعدم قبوله، ونرى انه تلافيا لهذا الإغفال يجب إضافة الفقرة الثانية من الفصل 160 لتكون من مشمولات المادة 223 المشار إليها سابقا .
كما تجدر الإشارة إلى أنه وبقراءة متأنية للمادة 160 يتضح بجلاء انه في حالة إحالة الملف من قبل النيابة العامة على قاضي التحقيق بمقتضى مطالبة بإجراء تحقيق فإن المشرع لم يخول للنيابة العامة حق طلب وضع المتهم تحت المراقبة القضائية بدليل أن الفقرة الثانية من الفصل المذكور أوجبت على قاضي التحقيق عندما يتخذ أمرا بالوضع تحت المراقبة القضائية ان يبلغه لها داخل أربع وعشرين ساعة ولها الحق في استئنافه، فلو كان المشرع قد خول لها التماس وضع المتهم تحت المراقبة القضائية لما اوجب على القاضي تبليغ الأمر لها في جميع الأحوال، لأن التبليغ للنيابة العامة لا يكون إلا في الأوامر المخالفة لملتمساتها .
ونرى أنه كان حريا بالمشرع أن يضيف فقرة في المادة 160 من ق م ج بالنص على : «يصدر قاضي التحقيق تلقائيا أو بناء على ملتمس النيابة العامة أمرا بشأن الوضع تحت المراقبة القضائية يبلغ في الحال شفاهيا للمتهم.... كما يبلغه للنيابة العامة إذا لم تكن قد التمسته....الخ» و هذا الحق الذي سيخول للنيابة العامة سيكون مماثلا لما خوله لها المشرع في القرة الثانية من المادة 178 عندما أجاز لها أن تلتمس من قاضي التحقيق الإفراج المؤقت عن المتهم إلى جانب الإباحة التي خولت للقاضي نفسه بأن يفرج تلقائيا عن المتهم كما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة نفسها.
إلغاء المراقبة القضائية :إن المراقبة القضائية و علاوة على كونها تدبيرا استثنائيا فإنها تعتبر تدبيرا مؤقتا وصفة الوقتية تظهر على مستويين، أولهما: أن مدة المراقبة القضائية هي شهران بالنسبة إلى الجنايات و تمدد خمس مرات للمدة نفسها أي أقصى أمدها هو سنة وفي الجنح شهرا واحدا لمرتين وأقصاها ثلاثة أشهر كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
ثانيهما: هو إمكانية إلغائها في جميع مراحل التحقيق إما لفائدة المتهم أو ضده.
إلغاء المراقبة القضائية لفائدة المتهم: يجوز لقاضي التحقيق تبعا للفقرة الرابعة من المادة 160 أن يلغي الأمر القاضي بالوضع تحت المراقبة القضائية بمقتضى أمر جديد يبلغ للنيابة العامة، وذلك بناء على طلب المتهم أو محاميه أو بناء على طلب النيابة العامة نفسها، ويصدر الأمر بالإلغاء إذا ارتأى قاضي التحقيق أن المتهم قد نفد الالتزامات والتدابير التي كان خاضعا لها بمقتضى المراقبة القضائية كان حصر جميع الاستنطاقات والمواجهات اللازمة وأضحى من غير المفيد إبقاؤه خاضعا لتدابير المراقبة القضائية.
والسؤال الذي يعن بمناسبة تناول دراسة إلغاء المراقبة القضائية لفائدة المتهم هو ما موقف هذا الأخير  إذا طلب هو شخصيا أو محاميه إلغاء المراقبة القضائية ورفض قاضي التحقيق الاستجابة لذلك، هل يحق للمتهم الطعن في الأمر بالرفض أمام الغرفة الجنحية أم لا؟
نرى أنه في ظل مقتضيات المادة 223 التي حددت على سبيل الحصر الأوامر التي يحق للمتهم استئنافها إن هذا الأخير لا يجوز له استئناف الأمر القاضي برفض إلغاء المراقبة القضائية وأنه إذا طعن بالاستئناف فإنه سيواجه بعدم القبول لأن المادة 223 المشار إليها لم تتضمن الأمر الصادر وفق الفقرة 4  من المادة 160.
لذلك يحسن بالمشرع وفي إطار كفالة حقوق الدفاع المخولة للمتهم للتحرر من تدابير المراقبة القضائية مادام قد حق له طلب إلغائها أن يضيف في المادة 223 قابلية الاستئناف للأمر الصادر في إطار الفقرة الرابعة من المادة 160.
إلغاء المراقبة القضائية ضد المتهم: كما يمكن لقاضي التحقيق إلغاء الوضع تحت المراقبة أثناء جميع مراحل التحقيق إذا لم يحترم المتهم الالتزامات المفروضة عليه بمقتضى تدبير أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في المادة 161  و عمد  إلى خرقها و عدم الاستجابة إلى تنفيذها، وفي الحالة فإن قاضي التحقيق يستشير النيابة العامة بمقتضى قرار بالاطلاع يبين فيه الدواعي والحيثيات التي تدعوها إلى إلغاء الوضع تحت المراقبة القضائية، وبعد  وضع النيابة العامة لملتمسها الكتابي في الموضوع فإن القاضي يصدر أمرا بإيداع المتهم السجن أو أمرا بإلقاء القبض عليه.
ويستحسن في نظرنا أن يلجأ قاضي التحقيق في البداية إلى إصدار أمر بإلقاء القبض في حق المتهم، فإذا أحضر أمامه بمقتضى هذا الأمر وأتى بدليل يدل عن حسن نيته لتبرير عدم تنفيذ التدبير الصادر في حقه (المراقبة القضائية) واقتنع به القاضي وأخضعه للاستنطاق أو المواجهة التي لم يحضرها تلقائيا اكتفى بالأمر بإلقاء القبض فقط كجزاء وأصدر في حقه أمرا جديدا بالمراقبة القضائية إذا تطلب الأمر حضوره أمامه مستقبلا، وإذا لم يقتنع قاضي التحقيق بالمبررات التي أتاها المتهم واتضح له أن خرق المراقبة القضائية كان متعمدا وأن حضوره مستقبلا أمامه ضروري فأنه يصدر في حقه أمرا بالإيداع السجن.
وهناك حالة ثالثة لإلغاء المراقبة القضائية و هي الناجمة عن اكتمال التمديد خمس مرات بالنسبة إلى الجنايات ومرتين للجنح والتحقيق مازال جاريا، ونرى أنه كان يجب التنصيص عليها في المادة 160 بالقول»وتلغى المراقبة القضائية إذا انتهى أقصى أمد التمديد والتحقيق مازال جاريا» وذلك أسوة لما نص عليه عند انتهاء آجال تمديد الاعتقال الاحتياطي (حالة المادتين 176 و 177) مادامت المراقبة القضائية و الاعتقال الاحتياطي تدبيرين استثنائيين كما نص على ذلك في المادة 159. اختصاص هيآت الحكم بالوضع تحت المراقبة القضائية: انه وتبعا لما سبقت الإشارة إليه فإن المتهم المعروضة قضيته بعد المتابعة (من طرف النيابة العامة أو من طرف قاضي التحقيق) على هيأة الحكم وتأسيسا على مقتضيات المادة 618 يبقى معتقلا احتياطيا وليس هناك أجل أقصى لنهاية هذا الاعتقال الاحتياطي و لا يمكن إطلاق سراح المتهم بقوة القانون كما هو حال المعتقل الاحتياطي أمام قاضي التحقيق الذي ينتهي أقصى أمد الاعتقال الاحتياطي في حقه، ويستمر المتهم حاملا لصفة معتقل احتياطي أمام هيأة الحكم إلى أن يصدر في حقه حكم مكتسيا لقوة الشيء المقضي به ليتحول بعد ذلك إلى مدان.
ولا يمكن للمعتقل الاحتياطي أمام هيأة الحكم أن يتحلل من هذه الوضعية إلا عن طريق السراح المؤقت. والتساؤل المطروح هو هل تملك محكمة الموضوع المحال عليها المتهم المعتقل احتياطيا سلطة وضعه تحث المراقبة القضائية؟
حقا إن محكمة الموضوع تملك سلطة إمكانية وضع المتهم تحت المراقبة عندما تمتعه بالسراح المؤقت والسند في ذلك هو الفقرة الأخيرة من الفصل 180 التي تنص على «علاوة علة ذلك يمكن للمحكمة أم تمنح السراح المؤقت مقابل واحد أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في المادة 161» و معلوم أن المادة 180 المشار إليها سابقا هي المنضمة للسراح المؤقت أمام هيآت المحكمة، ويظهر أن المشرع لما أباح لهيأة الحكم إمكانية وضع المتهم تحت المراقبة عندما تمتعه بالسراح المؤقت إنما استهدف من وراء ذلك ضمان حضوره لباقي جلسات المحاكمة.

بقلم:  بوشعيب عسال, قاضي التحقيق باستئنافية سطات
جريدة الصباح

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا