Monday, October 15, 2012

دراسة: الاعتقال الاحتياطي والمراقبة القضائية (الحلقة الأخيرة)


 المشرع أغفل المسطرة التي تلغي بها المراقبة القضائية أمام غرفة الجنح الاستئنافية

 إن الاعتقال الاحتياطي تدبير استثنائي سالب للحرية يتجسد في وضع المتهم بالسجن، وقد أدى الإفراط في ممارسة سلطة الاعتقال الاحتياطي من قبل النيابة العامة وقاضي التحقيق، واكتظاظ السجون نتيجة ذلك إلى ارتفاع أصوات تدعو إلى الحد من اللجوء إليه إلا للضرورة القصوى، ومن هنا كان التفكير في إيجاد تدبير أو تدابير إلى جانبه، وتجلى ذلك في سن المراقبة القضائية التي استحدثت بمقتضى قانون المسطرة الجنائية  الجديد.

إلغاء المراقبة القضائية من طرف هيآت الحكم: وإذا كانت المسطرة الجنائية قد خولت هيآت الحكم جواز وضع المتهم تحت المراقبة القضائية عندما تمتعه بالسراح المؤقت فإنها حددت طريقة إلغائها أمام المحكمة الابتدائية وأمام غرفة الجنايات بشقيها الابتدائي والاستئنافي وذلك عند صدور الحكم.
وهكذا فإنه وبالنسبة للمحكمة الابتدائية فإن المادة 404 نصت على: «يتعين الإفراج أو رفع المراقبة القضائية عمن يأتي ذكرهم ما لم يكونوا معتقلين لسبب آخر «.
1 المتهم بمجرد صدور الحكم ببراءته أو بإعفائه أو الحكم بحبسه مع إيقاف التنفيذ أو بالغرامة أو سقوط الدعوى العمومية .
وبالنسبة لغرفة الجنايات الابتدائية فإن المادة 434 تتحدث عن طريقة إلغاء المراقبة القضائية في الفقرة الأخيرة منها التي تنص على أنه « يطلق فوراً سراح المتهم الذي صدر في حقه قرار بالبراءة أو الإعفاء أو سقوط الدعوى العمومية أو إيقاف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية أو بالغرامة فقط، ما لم يكن معتقلاً من أجل سبب آخر، أو ترفع تدابير المراقبة القضائية عنه، وهذه المقتضيات تطبق أيضا أمام غرفة الجنايات الاستئنافية إعمالا للفقرة قبل الأخيرة من المادة 457 المنظمة للمسطرة أمام غرفة الجنايات الاستئنافية، ومعلوم أن الفصل 434 يدخل ضمن هذه المواد.
ويلاحظ أن المشرع أغفل المسطرة التي تلغى بها المراقبة القضائية أمام غرفة الجنح الاستئنافية، إذ لم يشر إليها بتاتا عند التطرق لمشمولات القرار الصادر من غرفة الجنح الاستئنافية المنصوص عليها في المواد من 408 إلى 412 .
كما تنبغي الإشارة إلى أن المشرع لم يرتب أي جزاء أو إخلاء المتهم بالمراقبة القضائية أمام هيآت الحكم كما فعل في الباب الخاص بقاضي التحقيق (الإيداع بالسجن أو إلقاء القبض) وكان حريا به أن ينظم الجزاء نفسه حتى تيم تحسيس المتهم بالعواقب الوخيمة المترتبة عن عدم الوفاء بالالتزامات التي تفرضها عليه المراقبة القضائية وحتى لا يعرقل سير المحاكمة في الجلسات اللاحقة التي تلت تمتيعه بالسراح المؤقت و إخضاعه للمراقبة القضائية.
المبحث الثالث: إشكالية لجوء الغرفة  الجنحية كمرجع استئنافي لأوامر قاضي التحقيق بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية بعد تمتيعه بالسراح المؤقت
إن المشرع كما رأينا أسند الاختصاص في إخضاع المتهم للمراقبة القضائية أساسا لقاضي التحقيق استنادا لمقتضيات المادة 160، كما أسند الاختصاص في فرضها استثناء لمحاكم الموضوع التي تكون القضية الجنحية لازالت رائجة أمامها، عندما تمتع المتهم بالسراح المؤقت حسب ما تكرسه الفقرة الأخيرة من المادة 180.
ويبدو أن هدف المشرع في إسناد الاختصاص لهاتين الجهتين هو ضمان حضور أمام قاضي التحقيق لإجراء الاستنطاقات والمواجهات اللازمة مادام التحقيق مازال جاريا، و لضمان حضور المتهم أمام هيآت الحكم مادامت القضية الجنائية أو الجنحية لازالت جارية ولم يصدر فيها أي حكم .
وعلى العكس مما ذكر فإن الغرفة الجنحية وهي قضاء رقابة لأوامر  قاضي التحقيق وليست قضاء موضوع، لذلك فإن هدف المشرع من سن المراقبة القضائية والمتجلي في ترك المتهم في حالة سراح وضمان حضوره أمام الجهة التي فرضت عليه المراقبة القضائية يكون هدفا منعدما أمام الغرفة الجنحية مادام المتهم لا يمثل أمامها و قت نظرها في استئناف أوامر قاضي التحقيق.
وبالإضافة إلى العلة المذكورة وانعدام النص القانوني الذي يجعل الغرفة الجنحية مختصة في فرض المراقبة القضائية فإن هناك عللا وأسبابا أخرى تجعلها غير مختصة أيضا وهي:
العلة الأولى: إن الفقرة الثانية من المادة 231 التي تحدد اختصاصات الغرفة الجنحية بصفة عامة تنص على أنها تبت في : «طلبات الإفراج المؤقت المقدمة إليها مباشرة ....، وفي تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية المتخذة طبقا للمادة 160 ......»
وبتمعن في قراءة هذه الفقرة يظهر أن المشرع حصر دور الغرفة الجنحية في مراقبة أمر قاضي التحقيق القاضي بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية إما عن  طريق التأييد أو إلغاء بدليل أن الفقرة نصت على عبارة «تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية المتخذة طبقا للمادة 160 « أي التدابير التي كان قاضي التحقيق قد اتخذها سلفا والتي تكون موضوعا للنظر استئنافا أمام الغرفة الجنحية.
- وبعبارة أخرى فإن الفقرة الثانية من المادة 231 إحالة على المادة 160، ومعلوم أن هذا النص خص قاضي التحقيق وحده في وضع المتهم تحت المراقبة القضائية على أن القاضي يجب عليه أن يبلغ الأمر الذي يتخذه في هذا الشأن حالا وشفاهيا للمتهم و يسجل التبليغ في المحضر، كما يبلغه أيضا إلى النيابة العامة خلال أرٍبع وعشرين ساعة ولهما الحق في استئنافه خلال اليوم الموالي لصدوره............
ويجب ألا يخرج قرار الغرفة الجنحية عن ثلاث فرضيات : إما تأييد أمر قاضي التحقيق القاضي بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية وإما إلغاؤه لصالح استئناف النيابة العامة والحكم من جديد بإيداع المتهم بالسجن، و إما إلغاؤه لفائدة استئناف المتهم والقول بإبقائه في حالة سراح وإلغاء المراقبة القضائية.
العلة الثانية: إن وضع المتهم تحت المراقبة القضائية تترتب عنه آثار لا يمكن أن يباشرها إلا قاضي التحقيق ولا يمكن للغرفة الجنحية التي فرضتها أن تراقب تنفيذها أو تباشر السهر على الموجبات المترتبة عنها، ويمكن بيان أوجه ذلك في الآثار التالية:
أولا: تكون مدة الوضع تحت المراقبة القضائية في الجنايات شهرين قابلة لتجديد خمس مرات، وتكون مدة الوضع في الجنح شهرا واحدا قابلة للتمديد مرتين، وذلك من أجل ضمان حضور المتهم أمام قاضي التحقيق، وإمكانية التمديد هذه غير متاحة للغرفة الجنحية، إذ لا يمكن لها مراقبة آجال التمديد لأن ملف التحقيق غير رائج أمامها و المتهم لا يمثل أمامها أصلا.
  ثانيا: في حالة إخلال المتهم بالمراقبة القضائية فإن قاضي التحقيق وبعد استشارة النيابة العامة يصدر أمرا جديا يلغي بمقتضاه أمره المتعلق بالمراقبة القضائية ويصدر أمرا بإلقاء القبض أو أمرا بالإيداع بالسجن، هذا إذا كان قاضي التحقيق هو الذي أصدر الأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية. وإذا كانت الغرفة الجنحية هي التي أصدرت قرارا بالمراقبة القضائية مشفوعا بالسراح المؤقت فإن قاضي التحقيق الرائج أمامه ملف التحقيق وفي حالة الإخلال بالمراقبة لا يمكنه إلغاء قرار الغرفة الجنحية وترتيب الآثار المترتبة عن الإخلال (إلقاء القبض أو الإيداع بالسجن) لأنه إن فعل ذلك فإنه سيكون قد ألغى قرارا صادرا عن جهة تراقبه وهو أمر غير مستساغ قانونيا.
وإضافة إلى ذلك فإن قاضي التحقيق إذا كان هو الذي وضع المتهم تحت المراقبة القضائية فإنه في حالة الإخلال بها يمكنه أن يلغي أمره بالمراقبة القضائية و إصدار أمر بإيداع المتهم بالسجن ولا قيد عليه في ذلك سوى استشارة النيابة العامة بواسطة قرار بالاطلاع  كما تنص على ذلك الفقرة قبل الأخيرة من المادة 160. أما إذا كانت الغرفة الجنحية هي التي قررت وضع المتهم تحت المراقبة القضائية بعد  أن متعته بالسراح المؤقت فإنه بعد إخلاله بالمراقبة القضائية فإن قاضي التحقيق يتعذر عليه إيداعه بالسجن بعد استشارة النيابة العامة فقط كما تبيح له الفقرة المشار إليها سابقا، لأن يده تصبح مغلولة عن إعمال هذه المادة بعلة أن مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل183  تمنعه من إصدار بالإيداع بالسجن في حق متهم سبق تمتيعه بالسراح المؤقت من طرف الغرفة الجنحية، إلا بعد أن تسحب الغرفة مقررها القاضي بمنح السراح المؤقت بناء على ملتمسات كتابية للنيابة العامة، وهو ما يتعارض مع السلطات المحولة لقاضي التحقيق فيما يخص ترتيب الآثار القانونية الناجمة عن الإخلال بالمراقبة القضائية تلك السلطات التي يلجأ إليها قاضي التحقيق (الأمر بالإيداع بالسجن أو الأمر بإلقاء القبض) بعد استشارة النيابة العامة فقط و دون أخد رأي الغرفة الجنحية.
ثالثا: في حالة تقديم المتهم أو محاميه طلبا بإلغاء المراقبة القضائية  (الفقرة الرابعة من المادة 160)  المرفوضة بمقتضى قرار الغرفة الجنحية فمن يتصدى للبت في الطلب أهي الغرفة الجنحية أم قاضي التحقيق؟ إن الأخير لا يستطيع البت في الطلب لأنه يتعذر عليه إصدار أمر بإلغاء قرار الغرفة الجنحية القاضي بالوضع تحت المراقبة القضائية، كما أن الغرفة أصلا لقاضي التحقيق وحده حسب مقتضيات المادة 160.
ويستنتج من العلل والأسباب المذكورة أن المشرع أناط بجهتين محددتين على سبيل الحصر الاختصاص بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية وهما : قاضي التحقيق أساسا وهيآت الحكم باستثناء عندما تمتع المتهم بالسراح المؤقت، أما الغرفة الجنحية فليست مختصة بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية ولو شاء المشرع أن يسند لها الاختصاص لنص على ذلك في مادة صريحة كما فعل بالنسبة لقاضي التحقيق و لهيآت الحكم كما رأينا سابقا. لذلك فإننا لا نتفق مع الرأي القائل بأن الغرفة الجنحية مختصة هي الأخرى بالوضع تحت المراقبة القضائية عندما تبت كمرجع استئنافي في أوامر قاضي التحقيق المتعلقة بالإفراج المؤقت وهو الرأي المعبر عنه في الدراسة المنشورة بمجلة المحاكم المغربية الصادرة عن مجلس هيأة المحامين بالدار البيضاء العدد 112 يناير 2008 الصفحة 22 .



بقلم:  بوشعيب عسال, قاضي التحقيق باستئنافية سطات
جريدة الصباح

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا