Thursday, November 15, 2012

دراسة: من أجل تأهيل مهنة المحاماة (2/2)


قانون المحاماة بالمغرب أصبح متجاوزا و لم يعد مواكبا للحركية التي تعرفها المهنة
 في ظل النقاش الدائر حاليا داخل المجتمع المغربي حول إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، ارتأيت أن أبدي رأيي المتواضع حول تأهيل مهنة المحاماة، على اعتبار أن هذه المهنة النبيلة كانت و لازالت تلعب دورا طلائعيا في إرساء دولة المؤسسات و ضمان و توفير المحاكمة العدالة. بالرجوع إلى القانون الفرنسي المنظم لمهنة المحاماة le Code de l’avocat ، يتضح بكل وضوح بأنه لا يشترط كل «شروط الخزيرات» على حد تعبير المغاربة. في نقيب الهيأة و عضو المجلس. إذ أن القانون الفرنسي سمح للمحامي الفرنسي المسجل بجدول هيئته منذ 4 سنوات فقط بأن يكون نقيبا أو عضوا بالمجلس. و هي مدة أرى بأنها معقولة و مقبولة.
كما أن القانون الفرنسي المنظم لمهنة المحاماة في فرنسا، و على خلاف القانون المغربي المنظم لمهنة المحاماة. لم يعط الحق للنقيب المنتهية ولا يته الحق في أن يكون عضوا بقوة القانون في المجلس الموالي.
وأرى شخصيا بأن موقف المشرع الفرنسي القاضي بعدم إلحاق النقيب المنتهية ولايته بالمجلس الموالي، هو موقف سليم و يجب على المشرع المغربي أن يحتدي به. ذلك أن إلحاق النقيب المنتهية ولايته بالمجلس الموالي يتنافى مع أبسط مبادئ الديمقراطية،  إذ أن التطبيق السليم لمبادئ الديمقراطية يقتضي أن يخضع النقيب المنتهية ولايته للتصويت، إذا كان يرغب في تحمل المسؤولية داخل المجلس، فإذا صوت عليه زملاؤه فهذا يعني أنهم يجددون الثقة فيه، أما إذا لم يصوتوا عليه فإن ذلك يعني أن المحامين غير راضين على أدائه و تسييره للهيأة خلال فترة ولايته. و لذا فإنني أرى شخصيا بأن إقحام النقيب الممارس في تشكيلة المجلس الموالي يعتبر اعتداء على إرادة المحامين ومسا خطيرا بحرية الاختيار والتقييم.
كما أن الفئوية المنصوص عليها أعلاه في قانون المهنة بالمغرب لا نجد له أي أثر في القانون الفرنسي، فلا وجود مثلا لفئة النقباء السابقين ولا لفئة 20 أو فئة 10 سنوات.
اللهم، ما تعلق بفئة الشباب (اي المحامين المسجلين بالجدول منذ أقل من 4 سنوات) او المحامين الشرفيين.
فالمحامون الشباب والمحامون الشرفيون يشاركون في المجلس بعضو واحد منتخب لسنة واحدة، وهذا العضو يحضر اجتماعات المجلس ويشارك في المناقشات فقط دون أن يكون له حق التصويت.
والملاحظ أن الجانب الخلاق والحيوي في القانون الفرنسي، والذي نفتقده مع كامل الأسف في قانوننا المنظم لمهنة المحاماة بفرنسا بدماء جديدة، هو أن المجالس تنتخب لمدة 3 سنوات، إلا أنها تجدد كل سنة بانتخاب ثلث أعضاء المجلس.
علاوة على كل ما سبق، فإن مجالس الهيآت بفرنسا لم تعد تنعقد إلا بصفتها مجالس إدارية تهتم بكل ما يهم شؤون المحامين المنتسبين إليها، دون أن يكون لها الحق في الانعقاد بصفتها مجالس تأديبية، وذلك على عكس ما هو الأمر بالنسبة إلينا في المغرب.
فنقيب الهيأة يحيل ملف المحامين موضوع المتابعة على المجلس التأديبي المستقل تمام الاستقلال على مجلس الهيأة، وفي ذلك تطبيق سليم وقانوني لمبدأ الفصل بين الجهة التي تقرر المتابعة و الجهة المصدرة للقرار التأديبي.
ثانيا: على مستوى تنظيم هيآت المحامين:
نص المشرع المغربي في قانون المحاماة 28.08 على تنظيم هيآت المحامين كما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه في الفصول 82-83-84 و 85 و استعرض في باقي الفصول الموالية طريقة انتخاب نقيب الهيأة و أعضاء مجلسها، وما إلى ذلك من طعون وغيرها.
إلا أن المشرع المغربي لم يتطرق إطلاقا سواء بشكل صريح أو ضمني إلى الحديث عن هيأة وطنية تمثل المحامين باعتبارهم جزءا رئيسيا و مهما في منظومة العدالة.
وأنأ أعتقد بأن هذا يشكل نقصا وفراغا تشريعيا يتعين على المشرع المغربي تداركه في أقرب فرصة. ومن باب المقارنة، فالملاحظ أن التشريع الفرنسي قد بادر إلى النص على إحداث المجلس الوطني للهيآت Conseil National des Barreaux (CNB)
وقد نص المشرع الفرنسي على هذه الهيأة في صلب قانون المحاماة الفرنسي منذ تاريخ 31/12/1971 وأدخل عليه عدة تعديلات كانت آخرها بتاريخ 11/02/2004.
وهذا المجلس الذي ينتخبه المحامون الفرنسيون بواسطة طريقتين للاقتراع، هو الذي يعتبر الممثل الشرعي و الوحيد للمحامين أمام السلطات العمومية وخاصة وزارة العدل.
كما أنه يتولى مهام توحيد الأنظمة الداخلية للهيآت، و الإشراف على معاهد تكوين المحامين المتمرنين والسهر على تكوينهم بعد إلغاء نظام التمرين التقليدي الذي مازال معمولا به مع كامل الأسف عندنا في المغرب.
بالإضافة إلى ما سبق فإن المجلس الوطني للهيآت يتولى الإشراف والسهر على التكوين و التكوين الإجباري للمحامين، و يصدر دورية شهرية تعرف بكافة أخبار و أنشطة المحاميين في فرنسا. كما انه هو من يتولى الإشراف ودراسة الملفات الكبرى المتعلقة بضرائب المحامي والمساعدة القضائية، إذ أنه يتوصل بالمبالغ المخصصة من طرف الدولة للمحامين في المساعدة القضائية و يتولى المجلس الوطني للهيآت توزيعها على مختلف الهيآت.
ويتم تسيير المجلس الوطني للهيآت CNB من طرف رئيس منتخب لمدة سنة واحدة، و مكتب يتكون من 80 عضوا يشتغلون على شكل لجان وظيفية. كما أن هذا المجلس قد أثبت مؤخرا فعاليته وذلك بالتصدي إلى المكاتب الأجنبية الانكلوساكسونية خاصة، والتي كانت والى عهد قريب تمارس المحاماة بشكل عشوائي. وأصبح المجلس الوطني للهيآت بفرنسا هو الجهة المختصة في منح التصاريح و الرخص لهذه المكاتب الأجنبية. و بذلك استطاع أن يحمي ويضمن احتكار المهنة من طرف المحامين الفرنسيين أولا.
وبطبيعة الحال فإن المجلس الوطني للهيآت يمارس هذه الاختصاصات الهادفة إلى حماية مهنة المحاماة والدفاع عن حقوق المحامين، دون أن يتدخل أو يمس بالاستقلالية التي تتمتع بها باقي هيآت المحامين بفرنسا.
يتضح من كل ما سابق أن قانون المحاماة بالمغرب أصبح متجاوزا و لم يعد مواكبا للحركية التي تعرفها مهنة المحاماة، خاصة بعد التحاق عدد مهم من الشابات و الشباب خريجي كليات الحقوق، أصبح متخلفا عن متطلبات المرحلة في ظل الربيع الديمقراطي الذي يشهده المجتمع المغربي، وبالتالي فإنه بات من الضروري والحتمي التفكير في صياغة وسن قانون للمحاماة على أنقاض القانون الحالي.

بقلم: ابراهيم حصالــــة, محام بهيأة المحامين بني ملال

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا