Monday, November 12, 2012

دراسة: تقاطعات العمل الجمعوي والإدارة القضائية مع التفتيش القضائي


مهما كان الموقع الذي ستحتله المفتشية العامة للقضاء في المشهد القضائي،  وكيف ما كان الدور الذي ستقوم به، ولكي يكون هناك عمل مواز لما تقوم به هذه المفتشية، وأخذا بعين الاعتبار مبدأ الوقاية خير من العلاج  في مجال تخليق الحياة العامة، يتعين على القضاء والقضاة والمتقاضين ومساعدي القضاء وكافة مكونات المجتمع المدني أن يراهنوا على ثلاثة أمور أساسية تتداخل في ما بينها من أجل تطوير مؤسسة القضاء.

يتعين على الجمعيات المهنية والحقوقية بصفة عامة، والجمعيات الممثلة للقضاة بصفة خاصة (ومهما تعددت و تنوعت واختلفت لأنه في الاختلاف رحمة، سيما إذا  ما تحلت هذه الجمعيات بنضج ديمقراطي وفكر تعاوني) أن تقوم وبكل مسؤولية بدورها، من جهة، في تأطير القضاة وتوعيتهم بحقوقهم وواجباتهم والمساهمة قدر المستطاع في إنجاح عملية التخليق، فضلا عن بذلها حسب استطاعتها مجهودات في جانب التثقيف والتكوين من اجل الارتقاء بالمستوى العلمي والتقني والقانوني للقضاة. وما على أي جمعية من هذه الجمعيات إلا أن تكون بمثابة مركز حقيقي له إشعاعه في مجال التوثيق ونشر المعلومة القانونية والقضائية لفائدة القضاة والموظفين ومدهم بالمطبوعات والوثائق  والنماذج الضرورية والمستعملة  حتى تعم الفائدة بينهم،  وان تكون هذه الجمعيات في الوقت نفسه مستعدة لأن تعطي بعض الاستشارات أو الحلول المستعجلة لبعض القضاة الذين تحاصرهم ملفات المداولة التي استعصى حلها وهم بعيدون عن محور الرباط - الدار البيضاء ويوجدون بطاطا أو بوعرفة وبمئات الكيلومترات حيث من الصعب العثور على نصوص أو مراجع أو من يمكن استشارته، فليس الفساد وحده ما يمكن أن يمس بسمعة القضاء بل أحيانا حتى عدم الدراية  ببعض النصوص أو بأصول مهنة القضاء يمكنه أن يلطخ هذه السمعة مع الأسف، وهذه جبهة أخرى على المفتشية العامة أن تفتحها وان تحارب عليها من اجل تحسين وتطوير الأداء القضائي، فهذا رهان كبير لا يجب أن تخسره الوزارة ولا السلطة القضائية إذا كنا نتطلع فعلا إلى قضاء كفء ونزيه ومستقل في المستقبل القريب  

الإدارة القضائية
يتعين على المسؤولين القضائيين بالمحاكم  أن يكونوا في مستوى الثقة التي وضعت فيهم و على تواصل دائم مع القضاة سيما بالنسبة إلى القضاة الشباب منهم  لتنبيههم إلى كل السلوكيات  والاخلالات المهنية التي من شانها أن  تمس باستقلالهم، وللوقاية من المساءلة بسبب  التفتيش في وقائع محددة، يعني التفتيش التأديبي أو التفتيش الخاص، ولحثهم على أداء عملهم على الوجه المطلوب من الناحية المهنية حتى لا يقع لهم حرج أو توثر أو انزعاج بسبب التفتيش العام ، وتظل أحسن مراقبة هي المراقبة الذاتية، وأعتقد بان مقولة ربط المسؤولية بالمحاسبة كقاعدة دستورية يجب تفعيلها على الأصعدة كافة وبما فيها القضاء، وفي المستقبل سيكون على الوزارة ومن بعدها السلطة القضائية رفع تحدي كبير ألا وهو كيفية انتقاء المسؤولين القضائيين والإداريين (كتابة الضبط) بالمحاكم الإبتدائية والاستئنافية أساسا في ضوء معايير موضوعية تساهم في وضعها المفتشية العامة، وعلى العموم يشترط أن تتوفر في المسؤول القضائي على الأقل الشروط السبعة التالية :1-التجربة ، 2-الكفاءة ،3- النزاهة ، 4- حسن التواصل  مع القضاة ومساعدي القضاء والمتقاضين ، 5- القدرة على التاطير و إيجاد الحلول بسرعة ، 6- المواظبة على ممارسة القضاء (سيما القضاء المستعجل بالنسبة إلى الرؤساء ومهام التكييف وتحرير المذكرات والمستنتجات بالنسبة للوكلاء) ، 7- القدرة على محاربة الفساد داخل المحكمة إن وجد، أو الحد منه على الأقل، ووضع تصورات وآليات  للوقاية من حدوثه داخل المؤسسة القضائية
ومن البديهي ألا تسند مناصب المسؤولية إلى أطر أشرفت على التقاعد إلا عند الضرورة القصوى
 وحتى بعد أن تتوفر هذه الشروط  السبعة المذكورة  في مرشح معين، نرى بأنه لامناص من إجراء لجنة الانتقاء محادثة أو «دردشة « او مقابلة تكون بمثابة امتحان شفوي مع المرشحة أو المرشح أو المرشحات والمرشحين لمنصب المسؤولية القضائية، لكي يعطي كل واحد منهم فكرة دقيقة وواضحة عن ((العقد / البرنامج )) الذي يعتزم تنفيذه على صعيد المحكمة التي سيعين فيها. وينبغي أن تتم محاسبة المسؤل القضائي أو الإداري عن مدى تنفيذه لهذا «العقد / البرنامج» من قبل الوزارة أو المفتشية العامة أو السلطة القضائية بعد تأسيسها. ولنا في التجربتين الفرنسية والهولندية خير مثال في هذا المضمار ، مع وجود اختلاف في بعض التفاصيل وحسب خصوصيات كل مجتمع ، إن فكرة ((المحادثة أو الدردشة)) جديرة بالتأمل والبحث والدراسة سيما في جدواها ، لأنه بكل بساطة نطرح التساؤل التالي : كيف نقبل إجراء ((مقابلة أو محادثة)) مع من سيتولى منصب عميد كلية أو مدير مركزي بإدارة معينة أو وزارة ما، ولا نقبل الإجراء نفسه مع من سيعين مسؤولا قضائيا في أصغر  محكمة ؟ ومن يخشى لجنة الانتقاء أو يرفض  المحادثة أو الدردشة أو المقابلة فهو يخشى في الواقع الشفافية وامتحان الكفاءة، ومن يخاف أو يخشى لا مسؤولية تسند له

المفتشية العامة
الرهان عليها كبير - أينما كان موقعها – لكي تعمل على تأهيل وتخليق القضاء في حدود اختصاصاتها و بعد أن تطور  أساليب عملها وتجعلها متلائمة  مع  المستجدات القضائية الأخيرة  ، لأن التفتيش القضائي قبل دستور 1-7-2011، ليس هو التفتيش القضائي لما بعد هذا الدستور، وقضاة اليوم ليسوا هم قضاة الأمس، والهدف في جميع الأحوال هو صيانة استقلال القاضي وعدم المساس به والمساهمة في تخليق القضاء بحظ وافر ورفع القدرات التقنية للأداة القضائية أو الجهاز القضائي، إذ لا يعقل بتاتا أن يكون هامش الخطأ أو الاختلاف بين قاضيين من قضاء النيابة العامة أو قضاء الحكم وهما بصدد تكييف شكاية أو محضر أو وقائع مقال مدني...الخ بنسبة 95 في المائة مع أن الوقائع واحدة والنصوص القانونية هي نفسها، والملاحظة نفسها نبديها فيما يتعلق بتفريد العقوبة الجنائية أو بتحديد التعويض المدني، إذ ترى هذا القاضي يتشدد في العقوبة أو في منح التعويض، بينما زميله في المحكمة نفسها أو بمحكمة أخرى لا يتشدد ، و أكيد أن احدهما ليس على حق طالما أن وقائع وظروف القضية ونصوصها واحدة ولم تتغير، وإشكالية التناقض في الأحكام لا علاقة لها بالضرورة بمسألة استقلال  القاضي وحياده بقدر ما ترجع –ربما- أسبابها الرئيسية إلى ما تلقاه القاضي من تكوين بالجامعة والمعهد القضائي والمحاكم التي احتضنته عند تدريبه أو تكوينه الأولي، كما ترجع أيضا إلى غياب برنامج ناجع وعملي للتكوين المستمر.
 وليس التناقض في الأحكام وحده ما يجسد معاناة المتقاضين مع القضاء ، بل هناك أيضا كارثة إصدار الأحكام بعدم قبول الدعوى بنسبة تناهز 50 في المائة ، فبعد سنة من الإجراءات والتأجيل من جلسة إلى أخرى، وبعد تبادل المذكرات، وبعد إصدار حكم تمهيدي بإجراء بحث أو خبرة أو انتقال إلى عين المكان ... ، بعد كل هذا تفاجئ المحكمة الموقرة الجميع بإصدار حكم بعدم قبول الدعوى لا تتوفر فيه أدنى مقتضيات الفصلين 1 أو 32 من قانون المسطرة المدنية او نص خاص آخر بينما كان من الواجب عليها أن تبت في جوهر النزاع وليس في شكل الدعوى فحسب، فلما ترتكب المحكمة مثل هذه الأخطاء فمعنى هذا أن جهاز القضاء أو أداة القضاء تعد في حاجة ماسة إلى تصويب وتقويم وتصحيح وتأهيل مستعجل من الناحية التقنية.
الإصلاح التقني لجهاز القضاء يمكن أن يسير جنبا إلى جنب مع إصلاحه البنيوي (بنايات ، تجهيزات ، معلوميات  الخ ...)، مع استحضار بطبيعة الحال ذلك الهاجس الكبير تحقيق استقلال القضاء وحياد القضاة وتوفير الضمانات  الكافية لذلك سواء من الناحية النظرية والعملية وفي ضوء ما استقر عليه دستور الفاتح من يوليوز 2011 من مبادئ أساسية ستظل راسخة وخالدة في سجل القضاء المغربي المعاصر.  
 هذه الأفكار والأماني مجرد أهداف يسهل تسطيرها على القرطاس، ولكن تنفيذها و أجرأتها ربما يحتاجان إلى نفس طويل و مراس. وفي جميع الأحوال... استقلال القضاء هو الحل، في أفق بناء أو تكوين عقل قضائي  مغربي.

بقلم: إدريس فجر, الـمستشار بمحكمة النقــض
دكتور في الحقوق

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا