Friday, November 30, 2012

وظيفة الدولة


لا جدال حول وظائف الدولة الأساسية، القانونية منها و السياسية. و الوظائف القانونية للدولة تتمثل في الوظائف التشريعية و التنفيذية و القضائية. أما الوظائف السياسية التي لا خلاف عليها فهي: المتعلقة بالأمن الخارجي أو الدفاع عن سلامة إقليم الدولة بواسطة الجيش، و بالأمن الداخلي للحفاظ على أرواح و أموال الأفراد المتواجدين على إقليمها بواسطة الشرطة، و إقامة العدالة بين الأفراد بواسطة القضاء.
هذه الوظائف التقليدية الأساسية الملقاة على عاتق الدولة، كدولة حارسة ، تعد من الأمور التي لا ينازع بشأنها أحد مهما كان المذهب السياسي الذي يعتنقه. أما الوظائف الأخرى، أو الثانوية كما يسميها البعض، المرتبطة بالمجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، فقد اختلف فيها، فهل تدخل ضمن وظائف الدولة؟ أو بالأحرى ما مدى تدخل الدولة في هذه المجالات؟
و تختلف وظيفة الدولة، أو مدى تدخلها، في هذه المجالات باختلاف المذاهب السياسية التي تعتنقها كل دولة. و المذهب السياسي، في الحقيقة، يعكس من الناحية السياسية مجموعة من القيم و الأفكار المترابطة أو مجموعة من الإيديولوجيات التي تقدم تصوراً للوجود، أي هو برنامج سياسي يجسد بشكل متكامل جملة من الإيديولوجيات، و يحدد الأهداف و الوسائل اللازمة لنقلها من البنية الفكرية البحتة إلى البنية القانونية و الحركية في إطار الدولة.
و في هذا الإطار يمكننا أن نلاحظ وجود ثلاثة من المذاهب السياسية التي سادت أو لا تزال تسود في عالمنا، حددت دور أو وظيفة الدولة وفقاً للتصورات المنبثقة عن إيديولوجيات هذه المذاهب و هي :
المذهب الفردي أو الحر (المبحث الأول)،
والمذهب الاشتراكي أو الماركسي (المبحث الثاني)،
والمذهب الاجتماعي (المبحث الثالث).
والعديد من الأحزاب السياسية التي تتصارع للوصول إلى السلطة في دول عالمنا، تتبنى، بشكل أو بآخر، هذا المذهب السياسي أو ذاك، على الرغم من التغيرات الجوهرية التي طرأت على الأسس الإيديولوجية لهذه المذاهب.

المبحث الأول

المذهب الفردي أو الليبرالي

في الحقيقة إنّ دور أو وظيفة الدولة في المذهب الليبرالي طرأ عليه الكثير من التغيير، و ذلك منذ نشأة هذا المذهب و تطوره و تبنيه و تطبيقه في العديد من الدول، في ظل الظروف التاريخية و الاقتصادية والاجتماعية و الفكرية التي سادت العالم. لذلك سوف نحدد المفهوم العام لدور أو وظائف الدولة كما صيغت من قبل منظري المذهب الليبرالي الأولي أو التقليدي، و من ثم التطورات التي طرأت على هذا المفهوم لدور الدولة.

المطلب الأول

دور الدولة في المذهب الليبرالي التقليدي

الفرد هو محور المذهب الليبرالي ولا قيمة للفرد إلا بذاته، و لذلك يجب أن تترك له حرية التصرف. و لكن هذا لا يعني بأنه لا يوجد أية قيمة للمجتمع، فقيمة المجتمع تتحدد بموجب توافق إرادات الأفراد في شكل قوانين . فالفرد هو أساس قيمة الجماعة و ليس العكس . و بحسب المذهب الليبرالي تعد الدولة أمراً لا بد منه من أجل تأمين حماية الحريات و الحقوق الفردية، و هي ثمرة عقد اجتماعي من أجل ضمان انتظام المجتمع و تطوره . فالدولة هي ضرورة يفرضها العقل من أجل تأمين حماية الحريات و الحقوق الفردية، وبالتالي يجب أن لا تتجاوز الدولة في وظائفها حدود الوظائف الأساسية المشار إليها : الدفاع و الأمن الداخلي وإقامة العدل.
و في الحقيقة إنّ هذا المذهب استند في منطلقاته الأساسية لتحديد دور الدولة، على الظروف الموضوعية المرتبطة بنشأته التاريخية.
فالحركة الثورية في نهاية القرن 18، وخاصةً في فرنسا، المنطلقة من الأفكار الفلسفية الليبرالية الديمقراطية يمكن تفسيرها بأنها ردة فعل من الفرد ضد مجتمعه، أكثر منها ردة فعل شعب ضد سلطة أو نظام حكم كان يضطهده . فالمجتمعات (الدول) في ذلك الوقت كانت مؤسسة في النظام الإقطاعي القائم على عدم المساواة، و كانت مؤلفة من فئات اجتماعية لا تسمح بوجود الفرد بمعزل عن الجماعة ـــ النبلاء، البائعين، الفلاحين، الحرفيين، الفلاحين …الخ ـــ التي كانت تؤمن حمايته ولكن كانت تقيد الكثير من حريته. انتماء الفرد إلى مجموعة يحدد وضعه ويبين حقوقه و واجباته.
أي بمعنى أخر إنّ الفرد لا وجود له بمعزل عن الجماعة. فالفرد محدد وضعه الاجتماعي ضمن الجماعة: فمثلاً أحد النبلاء لا يمكن أن يصبح عاملاً، و حرفي لا يمكن أن ينتج شيئاً غير الذي ينتجه الحرفيون المنتمون لنفس جماعته و لا يمكنه استعمال طرق أخرى، و فلاح لا يمكنه أن يصبح حرفياً. أي أن هذا النظام الاجتماعي القائم على عدم المساواة يحرم الناس من حرياتهم. هذا الشيء كان منطقياً مع النظام السياسي المطبق في ذلك الوقت، و القائم على فكرة الحكم المطلق المستمد من حق إلهي.
نتيجة انعدام الحرية كانت فئة المفكرين أكثر الفئات غير المتسامح معها فقد كانت الرقابة عليها شديدة. كذلك الأمر بالنسبة للبرجوازية التي كانت حبيسة في منشآتها الصناعية و التجارية بسبب القيود الإدارية و النظام الضريبي و المالي البالي و غير العادل. لذلك فإن هذه البرجوازية هي التي تجاوبت مع نداء الفلاسفة و المفكرين وأقاموا ثورتهم. لهذا الأمر قلنا : إنّ هذه الثورة البرجوازية كانت أولاً و قبل كل شيء ثورة الفرد من أجل تعزيز مكانته في مواجهة المجتمع (الدولة). انطلاقا من أن الفرد هو الأهم في المجتمع، و من هذه الزاوية بالتحديد، لم يعد ينظر إلى الشعب كمجتمع و لكن كتجمع أفراد مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هذا التجمع له حقوق على الأفراد الذين يكونونه ويكفي لتأمين احترام ذلك وجود سلطة بوليس محدودة .
من ذلك نرى بأن الثورة البرجوازية واضعة الفكر الديمقراطي الليبرالي موضع التطبيق لم تطلب من المجتمع سوى ترك الحرية للأفراد المكونين له. أي أن مطلبها الأساسي هو الحريات الفردية و الأمر الملازم لهذه الحريات وهو المساواة القانونية.
و الحريات التي أعلنت في دساتير الثورة الفرنسية، كذلك الأمر في إعلان حقوق الإنسان في 27 أب 1789، هي الحريات الفردية الهادفة إلى حماية الإنسان ضد السلطة (الدولة) : حرية المرور، و الضمانات ضد التوقيف التعسفي و العقوبات غير المتناسبة مع الأعمال المرتكبة، و قرينة البراءة، و حرية الرأي و الاعتقاد، و حرية التعبير كتابةً و قولاً، و حرية الاجتماع.
إضافة إلى هذه الحريات الفردية أضاف واضعو إعلان حقوق الإنسان أمراً ضرورياً (وذلك حفاظاً على مصالح البرجوازية) و هو حق الملكية الخاصة أو الفردية و حمايتها، حيث المادة /17/ منه تؤكد بأن هذه الملكية مقدسة و لا يمكن المساس بها أو نزعها إلا للمصلحة العامة و مقابل تعويض مسبق و عادل.
وجاءت الحريات الفردية و حق الملكية -هدف الثورة البرجوازية- من أجل تأمين أمرين هما: حرية التجارة و حرية الصناعة، أي حرية التعاقد و إقامة المشاريع. هاتان الحريتان صنفهما في نهاية القرن 19 الفقيه الفرنسي الكبير موريس هوريو Hauriou بين الحريات الأولية، بل حتى أهم من حرية الاعتقاد، وبرأيه يمكن أن نقبل في بعض الظروف التضحية بكل الحريات الأخرى باستثناء هذه الحريات .
وفي الحقيقة إن الاقتصاديين الأحرار يشددون على هاتين الحريتين مبينين خاصة أهمية التنافس من أجل صالح المجتمع. فالتنافس يؤدي و بدون توقف إلى إزالة المشاريع المنهارة لصالح الأكثر ديناميكية مجبراً المسؤولين (رجال السلطة) للبحث عن العقلانية في عملهم، و خاصةً العمل على الاستيعاب السريع للاكتشافات العلمية و التقنية -بالرغم مما تنتجه من مشاكل- لما لها من دور فعال في صالح المجتمع ككل.
و بحسب بعض الفقهاء (خاصة الفقيه الألماني G.Jellinek في كتاب ظهر له عام 1902) فإن لهذه الحريات الفردية مفهوم سلبي. أي بمعنى أن هذه الحريات تنتج عن غياب تدخل الدولة في تصرفات الأفراد. الدولة لا تتدخل إلا من أجل ضمان أو تأمين ممارسة هذه الحريات، فغياب تدخل الدولة هو أساس هذه الحريات، فإعلان حقوق الإنسان مؤسس على امتناع الدولة في التدخل في أعمال الفرد في بحثه عن سعادته.
وقد شدد على المساواة لأسباب تاريخية تعود إلى أن المجتمع السابق كان قائماً ـــ كما أشرنا سابقاً ـــ على عدم المساواة، و خاصة أن البرجوازية كانت خاضعة لتعسف النبلاء. و لكن أيضاً المناداة بالمساواة كان ضرورياً لأنها أمر مرتبط بالحرية . فعدم المساواة كان قائماً على امتياز أو انعدام الحرية لبعض فئات المجتمع، فالامتياز كان معطى فقط للنبلاء منذ ولادتهم و حتى مماتهم. أي أن الحرية كانت مرتبطة بالفئة الاجتماعية. فالمساواة جاءت لتعيد للفرد قيمته الحقيقية بمعزل عن الجماعة. فحرية الفرد لا ترتبط أبداً بولادته و لكن بكفايته و فضائله. من هنا جاءت فكرة الفردية في الفلسفة الثورية البرجوازية الليبرالية، هذه الفلسفة مؤسسة على أن الإنسان هو حر في وسط المجتمع : هو حر لأن له قيمة باعتباره فرداً، و يجب أن يحقق طموحاته. فالمجتمع ليس من حقه أن يحدد مكانة الفرد و موقعه بين الفئات المكونة للمجتمع، بل هو وحده القادر على تحديد موقعه و مكانته من خلال نشاطه و مهاراته الخاصة به . المجتمع ليس له إلا أن يساعده و لا يقف عائقاً في طريقه.
هذه المساواة هي مساواة قانونية ليس أكثر، فهي ليست مساواة اجتماعية اقتصادية هدفها خاصة إعادة توزيع الثروة. فالدولة يجب ألا تتدخل عن طريق القوانين لصالح فئة على حساب فئة أخرى. فالقانون يجب أن يكون واحداً بالنسبة للجميع.
و بالتالي، يمكننا القول : إنّ التطبيق العملي لمفهوم الحرية و ملازمته المساواة القانونية، كتعبير عن النزعة الفردية، ترتبط في المجال الاقتصادي على ما يسمى في أيامنا بالاقتصاد الحر (الليبرالي) أو اقتصاد السوق.
انطلاقاً من ذلك, يمكننا إيجاز أهم المرتكزات الأساسية لهذا المذهب فيما يتعلق بدور الدولة :
-الفردية، فحسب المذهب الليبرالي، المجتمع و الدولة مسخران لخدمة الفرد. فحقوق الفرد بفكره وعقيدته و ماله وحركته في مواجهة السلطة بشكل خاص هي أساس المذهب الليبرالي، ومن هنا فقد جاءت أغلب الدول الأولى التي طبق لديها النظام السياسي المنبثق عن هذا المذهب بإعلان لحقوق الإنسان والمواطن، خاصةً في فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية.
-الليبرالية السياسية، و هي المفهوم الذي من خلاله يتم التوفيق بين الحرية و السلطة و ذلك من خلال : الديمقراطية التي هي نظام الحكم المنبثق عن المذهب الليبرالي، حيث لا تكون السلطة سوى التعبير عن مجموع إرادات الأفراد. والقوانين التي تصدر بصورة قواعد مجردة تطبق على جميع الأفراد بالتساوي.
-الرأسمالية كأساس للنظام الاقتصادي الليبرالي، و هو يعطي الفرد حق تملك وسائل الإنتاج بدون حد. وعلى الدولة عدم التدخل في الحياة الاقتصادية، و ترك هذا النشاط للأفراد في ظل مبدأي حرية التجارة و الصناعة و حرية المنافسة، و لكن في ظل رقابة و تنظيم الدولة لهذه الحريات.

المطلب الثاني

تطور مفهوم دور الدولة في المذهب الليبرالي

في الواقع إن أغلب دول الديمقراطيات الغربية، التي تتبنى المذهب الليبرالي، تخلت إلى حد ما عن هذه الفكرة النظرية التي حددها هذا المذهب لدور الدولة و خاصةً في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي. فمنذ الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1929 أخذت هذه الدول تتدخل في هذين المجالين لتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، و ظاهرات التأميم و التخطيط و الحماية الجمركية مثلاً وجدت في أغلب دول الديمقراطيات الغربية التي تتبنى المذهب الليبرالي.
فالأزمة الاقتصادية التي حدثت عام 1929 تعتبر برأينا نقطة تحول هامة في التاريخ المعاصر، و قد امتد أثرها على الكثير من المجالات و من ضمنها المذاهب السياسية (و خاصةً المذهب الليبرالي) و الأنظمة المطبقة لها. ففي الماضي كان المواطنون في الديمقراطيات الغربية عندما يتجهون إلى الدولة لتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، يتمكن البرلمان من أخذ المبادرة في هذا المجال معتمداً في ذلك على الإمكانات المتاحة أمامه، و قد تمكن من خلالها من تحقيق ذلك بشكل فعال : إعادة توزيع الثروة من خلال الضرائب و الرسوم على الطبقات الميسورة خاصةً و الإعفاءات الممنوحة للطبقات ذات الدخل المحدود…الخ.
بالطبع عند حدوث أزمة 1929 لجأ المواطنون مجدداً نحو الدولة بحثاً عن حلول لها أو للتخفيف من آثارها السيئة على الطبقات الميسورة و الفقيرة معاً. فحتى هذا التاريخ كان المطلب الوحيد من الدولة (السلطات العامة) هو تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية من خلال توزيع الدخل القومي الموجود. و لكن مع حدوث الأزمة الاقتصادية و ما أنتجته من آثار خطيرة، لم يعد كافياً إعادة توزيع الدخل القومي الموجود لتحقيق العدالة الاجتماعية، بل يتوجب على الدولة العمل أيضاً على نمو الدخل الإجمالي للناتج المحلي.
في هذه المرحلة ظهر المذهب الاقتصادي الكينزي الداعي إلى تدخل الدولة في عملية نمو الإنتاج و مكافحة البطالة، و ذلك من خلال الاستخدام الأمثل للموارد الإنسانية و المادية. و الاستخدام الأمثل لهذه الموارد يتم من خلال السيطرة على حجوم الاستهلاك و الادخار. فلذلك نشأت في هذه الفترة ظاهرة التأميم و خاصةً لقطاعات البنوك (التي تسيطر على القروض و بالتالي على حجم الاستثمارات)، و التأمين (الذي يلعب دوراً أساسياً في عملية الادخار و بالتالي في حجم الاستهلاك) و المشاريع المنتجة للطاقة (نظراً لدورها الحاسم في العملية الاقتصادية). هذه الظاهرة أعطت الدولة أداة هامة من أجل لعب دور أساسي كمنسق للأنشطة الاقتصادية .
هذا الدور الجديد للدولة أدخل تغييراً مهما في مفهوم الدولة و وظائفها في المذهب الليبرالي، القائم على الحرية و عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي. فالبرجوازية منشئة هذا المذهب، رغم اعتراضها على قيام الدولة في القرن الماضي بلعب دور المنصف الاجتماعي (العدالة الاجتماعية)، قبلت بهذا الدور الجديد للدولة، كمنسق للعملية الاقتصادية : لأنه من مصلحتها، و من الصالح العام و جود إنتاج قوي مستخدم بشكل جيد، و قد أرادت الدولة الاستفادة من مزايا الوسائل التي وضعتها تحت تصرف المشاريع الاقتصادية (قروض بفوائد متدنية، إعفاءات ضريبية، إعانات …الخ).
و لذلك نجد في هذه المرحلة، و خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، تطوراً هاماً قد حدث في محتوى إعلان حقوق الإنسان في الدول الليبرالية. فأغلب الدساتير التي ظهرت عقب هذه المرحلة أشارت إلى الحقوق الاقتصادية للفرد و خاصة حقه في العمل : فمقدمة الدستور الفرنسي لعام 1946 مثلاً نصت على أنّ “كل مواطن له الحق في الحصول على عمل”، كذلك المادة 25 من نفس الدستور نصت على “إنشاء خطة قومية مهمتها تأمين العمل للمواطنين و الاستعمال العقلاني للموارد المادية”.
و لكن منذ بداية الثمانينات نلاحظ أنّ الليبراليين الجدد يخوضون معركة شرسة للدفاع عن الاختيارات الفردية، مقترحين حلولاً اقتصادية و إجرائية من شأنها تقليص تأثير الدولة في حياة الجماعة، أو العودة إلى المفهوم القديم الذي حدده المذهب الليبرالي لدور الدولة.
هذا الأمر نلاحظه جلياً في عهد مارغريت تاتشر في بريطانيا و رونالد ريغن في الولايات المتحدة الأمريكية، و انتشار ظاهرة الخصخصة في أغلب دول العالم . هذا الأمر أدى إلى انتشار العديد من الأحزاب الليبرالية أو ما يسمون بالليبراليين الجدد، الذين يعملون على إيجاد نوع من القطيعة مع الثقافة الاجتماعية الديمقراطية، و إعادة النظر في دولة العناية الإلهية (الصحة و بخاصة الخدمات الاجتماعية).
هذا المفهوم الجديد الذي تقدمه الليبرالية الجديدة لدور أو وظائف الدولة، ساعد على انتشاره ما يسمى بالعولمة . فأنصار العولمة يعملون على إضعاف دور الدولة، و خاصةً القضاء على ما يسمى بدولة العناية الإلهية التي كانت تضمن لمواطنيها بعض الخدمات و التأمينات الاجتماعية و خاصةً الصحية منها .
وهذا ما نلاحظه من خلال البرامج و السياسيات التي تفرضها المؤسسات الدولية الداعمة و الراعية للعولمة و على رأسها المنظمة العالمية للتجارة O.M.C.، و صندوق النقد الدولي F.M.I.، و البنك الدولي للإنشاء و التنمية B.I.R.D..
هذه المؤسسات الدولية تفرض على الدول الأعضاء (و تؤثر على بقية الدول) سياسة إعادة هيكلة إداراتها، و خصخصة مشاريعها، و إلغاء سياساتها الحمائية (الجمركية منها، الدعم الذي تقدمه لمشاريعها و الذي يؤثر على مبدأ المنافسة) لضمان حرية انتقال رؤوس الأموال أو الاستثمارات، و البضائع.
هذه العولمة المفروضة لا تؤدي فقط إلى تقليص دور الدولة فحسب، و إنما تؤدي فعلياً إلى نوع من إهمال تطبيق مبدأ السيادة، الذي يعتبر كما أشرنا سابقاً أحد أهم خصائص الدولة، بحيث لا يعود للدولة من دور سوى الضبط الذاتي لسلطاتها.

المبحث الثاني
المذهب الاشتراكي

في الحقيقة، إن المذهب الاشتراكي جاء كرد فعل على المذهب الليبرالي و نتائجه. و لذلك، فإذا كان أنصار المذهب الليبرالي يحصرون نشاط الدولة في نطاق ضيق لا يتعدى وظائفها الأساسية المتمثلة في الأمن الخارجي و الداخلي و العدالة، و يحظرون عليها التدخل في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي، فإن أنصار المذهب الاشتراكي يرون بأن على الدولة التدخل في جميع المجالات.
و في الحقيقة نجم هذا المفهوم لدور أو وظيفة الدولة لكلا المذهبين عن الأسس الفلسفية التي يقوم عليها كلّ منهما. فمنظرو المذهب الفردي يرون في تدخل الدولة تعدياً و انتهاكاً لحريات و حقوق الأفراد، و بالتالي فإن صيانة حريات و حقوق الأفراد تتأمن بشكل واسع في ظل دولة محدودة الوظائف أو غير متدخلة (كثير من الدولة عندما يلزم و قليل من الدولة ما أمكن). في حين أن منظري المذهب الاشتراكي يرون بأن تدخل الدولة يعتبر أمراً لا بد منه لصيانة حريات و حقوق الأفراد، و بالتالي كلما تدخلت الدولة و ازدادت وظائفها، تأمنت حماية أفضل لهذه الحقوق و الحريات (كثير من الدولة ما أمكن و قليل من الدولة عندما يلزم).
ولكن أصحاب المذهب الاشتراكي الذين يقولون بضرورة تدخل الدولة في جميع نشاطات الحياة، اختلفوا حول مدى هذا التدخل، و في هذا الإطار يوجد تياران متمايزان : الجماعية، و الشيوعية.
فأنصار الجماعية، يرون بوجوب إلغاء الملكية الفردية، و لكن باستثناء بعض الملكيات الخاصة المعدة لإشباع حاجات الأفراد المباشرة. و لذلك فإنه يتوجب على الدولة السيطرة على مصادر الإنتاج الأساسية، باستثناء بعض هذه المصادر التي لا تسمح لمالكيها باستغلال العمال.
في حين أن أنصار الشيوعية ، يرون أيضاً بوجوب إلغاء الملكية الفردية، و لكن بشكل أكثر تطرفاً مما يراه الجماعيون، فهم لا يسمحون بوجود أية ملكية خاصة. و لذلك يتوجب على الدولة السيطرة على جميع مصادر الإنتاج بدون استثناء، و إدارتها و توزيع ثمارها على جميع الأفراد بصورة عادلة.
باختصار يمكننا القول : إنّ أنصار المذهب الاشتراكي، الجماعيين منهم و الشيوعيين، يرفضون النظام الرأسمالي الناجم عن المذهب الليبرالي الذي يؤدي إلى تركيز الثروة بيدي فئة قليلة، تستغل الفئة الكبيرة من العمال، و إحلال نظام اشتراكي يركز الثروة أو سائل الإنتاج بيد الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية، و إزالة الفوارق بين طبقات المجتمع.
ولكن هذا المذهب الاشتراكي الداعي لتدخل الدولة في جميع المجالات، منتقد على أكثر من صعيد: فالقضاء على الملكية الفردية أمر يتعارض و الطبيعة البشرية المجبول عليها الإنسان و منها حب التملك. كذلك فهذا المذهب لم يؤدّ إلى القضاء على الاستغلال من خلال القضاء على الفئة القليلة التي تتركز بيدها الثروة و تستغل العمال، و إنما أحل محلها فقط طبقة أخرى من الطبقة الحاكمة و كبار الموظفين الذين يتولون إدارة وسائل الإنتاج في المجتمع الاشتراكي. يضاف إلى ذلك أنّ تدخل الدولة في مجال الأنشطة الفردية أدى إلى الكثير من الانتهاك لحقوق و حريات الأفراد…الخ.
ولذلك و على الرغم من النجاح الذي حققه هذا المذهب مرحلياً في بعض الدول التي تبنته و على رأسها الاتحاد السوفيتي السابق، فإن المذهب الاشتراكي لاقى تراجعاً كبيراً منذ نهاية الثمانينات من القرن العشرين، بعد الفشل الذي لاقاه على الصعيدين الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي طبعاً، مما أدى إلى انهيار أغلب الدول التي تبنته كلياً، و إلى تخلي الكثير من الأحزاب السياسية في العديد من الدول التي تستند إلى المبادئ الفلسفية للمذهب الاشتراكي عن أغلب هذه المبادئ : ففي دول أوربا الغربية نجد مثلاً في بريطانيا أن حزب العمال تخلى عن مبادئه الرافضة للخصخصة، و كذلك الأمر بالنسبة للحزب الاشتراكي الفرنسي الذي يمكن الاستنتاج من برنامجه الانتخابي في الانتخابات التشريعية الأخيرة (حزيران 1997، وحزيران 2001) أنّه قد تحول إلى حزب اجتماعي كما هو الحال بالنسبة لحزب العمال البريطاني.

المبحث الثالث

المذهب الاجتماعي

يعتبر المذهب الاجتماعي، مذهباً وسطاً بين المذهبين الليبرالي و الاشتراكي. فأنصار هذا المذهب الخليط لا يقولون، كما يرى أنصار المذهب الليبرالي، بتقييد دور الدولة ضمن الوظائف الأساسية بجعلها مجرد دولة حارسة، كذلك لا يقولون، كما يرى أنصار المذهب الاشتراكي، بإطلاق العنان للدولة للتدخل في جميع المجالات. فهم يقرون بالسماح للدولة بالتدخل بقدر معين لتحقيق مصلحة الجماعة و تحقيق غاياتها، مع ترك الحرية للأفراد للتمتع بحقوقهم و منها حق الملكية، في حدود القانون. فالدولة بحسب أنصار هذا المذهب لا تقف موقفاً سلبياً تجاه حقوق و حريات الأفراد، و لكن لا تصادر في الوقت نفسه هذه الحقوق و الحريات .
وقد ساد هذا المذهب معظم دول العالم، و خاصةً دول أوربا الغربية، ما بين الحربين و إلى يومنا هذا، فالدولة أصبح لها حق التدخل الإيجابي في جميع أوجه النشاط، سواء في المجال الاقتصادي، أم في مجال التعليم و الصحة العامة. حيث ظهر مفهوم الدولة الموجهة، التي توجه بصورة مباشرة أو غير مباشرة جميع أوجه النشاط الاقتصادي و الاجتماعي (إشراف، مراقبة، تخطيط، مساعدات)، أي بوضع الضوابط القانونية لهذا النشاط.
وظهر مفهوم دولة العناية الإلهية، التي تعتبر مسؤولة عن تحقيق التقدم الاقتصادي و الاجتماعي، وخاصةً ما يتعلق بمجال الصحة و بقية التأمينات الاجتماعية. و أصبح يعبر عن هذا المذهب اقتصادياً بسياسة التدخل . وفي الواقع اكتسح هذا المذهب أغلب دول العالم، و خاصةً دول أوربا الغربية، و على وجه التحديد الدول الاسكندنافية، حيث تلعب الدولة الدور الأساسي في المجال الاجتماعي و خصوصاً في قطاعي الصحة و التعليم، و يعتبر الضمان الاجتماعي أحد أهم خصائص هذه الدول.
وبهذا الخصوص نعتقد بأن المذهب السياسي الإسلامي ينظر لدور و وظائف الدولة نظرة قريبة أو مماثلة للمذهب الاجتماعي، و ذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار موقف الإسلام من الفرد و الجماعة اللذين هما الأساس الفلسفي لتحديد دور الدولة في كل المذاهب : فالإسلام يقف على مسافة واحدة في نظرته للفرد و المجتمع. فالفرد، الذي هو طبعاً أسبق من الجماعة في الوجود، مكرم و يتمتع بذاته بقيمة رفيعة أمام الله و الجماعة و السلطة. و هو يتمتع بالحرية الملازمة لمسؤوليته، فالحرية هي الأساس الذي تقوم عليه المسؤولية الفردية في الإسلام. فالفرد إذاً حسب المذهب السياسي الإسلامي هو كيان قائم بذاته له قيمته و حريته و حقوقه. ولكن ليس وحده في الوجود فهناك أيضاً المجتمع الذي له قيمته و حقوقه الخاصة به. و قيمة الفرد و حقوقه و قيمة المجتمع وحقوقه محددة بموجب الشريعة الإسلامية التي لم يضعها لا الفرد ولا المجتمع وإنما الله خالق الفرد والمجتمع .
الفصل الثاني

القوى المؤثرة في العمل الحكومي

في الواقع إنّ المؤسسات الدستورية في الدول ذات الأنظمة الديمقراطية، لا تتحدد معالمها و طبيعتها و أهدافها إلا من خلال تأثير القوى السياسية و الاجتماعية.
هذه القوى في الحقيقة تملك تأثيراً كبيراً في تكوين هذه المؤسسات الدستورية و خصوصاً السلطتين التنفيذية و التشريعية، و ذلك عن طريق الانتخابات. كذلك تؤثر في سير و انتظام هاتين المؤسستين من خلال الموالاة أو المعارضة لسياستها، و في ذلك تستخدم وسائل عدة دستورية و عملية.
ويمكننا في هذا الإطار التمييز بين نوعين من هذه القوى بحسب كيفية تكوينها و آلية تأثيرها على العمل الحكومي و هما : الأحزاب السياسية (المبحث الأول)، وجماعات الضغط (المبحث الثاني).

المبحث الأول

الأحزاب السياسية

في الحقيقة إن و جود الأحزاب هو سابق لوجود السياسة. ولكن هذه الأحزاب لم تكن سوى تجمعات غير منظمة، فقد كانت عبارة عن تجمعات عفوية لبعض الشخصيات مدفوعة ببعض المثل العليا هدفها البحث و المداولة في مشاكل الساعة المطروحة في الدولة دون محاولة فرض وجهة نظرها من خلال إيجاد الحل الذي تراه مناسباً لهذه المشاكل. فيمكن القول بأنها كانت نوادي فكرية لا أكثر، أما مفهوم الأحزاب في يومنا هذا فقد اختلف كثيراً.
ولكي نحيط بمدلول الأحزاب السياسية، لا بد لنا من تحديد مفهوم الحزب السياسي، و وسائل تأثير الأحزاب السياسية في الحياة السياسية، و أهم تقسيماتها، والأنظمة الحزبية السائدة في دول عالمنا.

المطلب الأول

مفهوم الحزب السياسي وخصائصه ( عناصره )

أولاً ـــ مفهوم الحزب السياسي :

أ ) الحزب في اللغة :

الحِزْبُ: جماعة الناس؛ وحِزْبُ الرجل: أصحابه وجنده الذين مع رأيه؛ والجمع: أحزاب؛ والأحزاب: جنود الكفار، تألبوا وتظاهرا على حزب النبي r، وفي الحديث: " اللَّهُمَّ اهْزِم الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِم الأَحْزَابَ، وَزَلْزِلْهُمْ ". والحِزْبُ: الصنف من الناس، قال ابن الأعرابي: الحزب الجماعة، وكل قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم، فهم أحزاب، وإن لم يلق بعضهم بعضاً.
والحِزْبُ أيضا: الطائفة من الناس، وتَحَزَّبُوا: تجمعوا وصاروا أحزاباً، وفي حديث ابن الزبير رضي الله عنهما: " يُرِيدُ أَنْ يُحَزِّبَهُمْ "، أي يقويهم ويشد منهم، ويجعلهم في حزبه، أو يجعلهم أحزاباً.

ب ) الحزب السياسي في الاصطلاح:

تعددت تعريفات الحزب السياسي بين المفكرين، وكان من أهمها ما يلي:
1. ما عرفه فرنسوا غوغيل وهو: " مجموعة منظمة للمشاركة في الحياة السياسية، بهدف السيطرة كلياً أو جزئياً على السلطة، دفاعاً عن أفكار ومصالح محازبيها ".
2. ويرى أندريه هوريو أنه: " تنظيم دائم يتحرك على مستوى وطني، ومحلي، من أجل الحصول على الدعم الشعبي، ويبغي الوصول إلى ممارسة السلطة، بغية تحقيق سياسة معينة ".
3. وعرفه سليمان الطماوي: " بأنه مجموعة متحدة من الأفراد، تعمل بمختلف الوسائل الديمقراطية للفوز بالحكم، بقصد تنفيذ برنامج سياسي معين ".
ويتضح من التعريفات السابقة أن الحزب السياسي يقوم على ثلاثة عناصر أساسية : 1ـــ تنظيم سياسي له هيكل معين 2ـــ أعضاء من الشعب ينتمون إلى هذا التنظيم، والدفاع عن مبادئه 3 ـــ هدف يتمثل في الوصول إلى الحكم، وممارسة السلطة، لتحقيق مبادئ الحزب، وتنفيذ برنامجه السياسي.

ثانياً ـــ عناصر أو خصائص الحزب السياسي :

يمكننا تعريف الحزب السياسي بأنه “مجموعة من الأفراد منظمة بصورة دائمة على المستوى الوطني، تسعى للوصول إلى السلطة و ممارستها بالطرق المشروعة، من أجل تنفيذ سياسة محددة”. من هذا التعريف يمكننا استخلاص الخصائص الأساسية للحزب السياسي :
۩ ديمومة التجمع أو التنظيم :
الحزب السياسي هو تجمع له صفة الديمومة و الاستمرارية، أي أن هذا التجمع ليس مرحلياً من أجل معالجة مشاكل وجدت في فترة زمنية محددة و الانحلال من بعد حل هذه المشاكل. و صفة الديمومة لا تعني البقاء الأبدي و لكن فقط أن لا تكون فكرة التأقيت موجودة بداية كأحد أسس التجمع. نعرف أن هناك الكثير من الأحزاب تنحل (الاختفاء من الحياة السياسية كلياً، التمزق و انضمام التيارات الممزقة إلى أحزاب أخرى موجودة سابقاً أو تشكيل أحزاب جديدة، الاندماج كلياً في أحزاب أخرى) نتيجة للظروف السياسية.
۩ التنظيم على المستوى الوطني :
و يقصد بذلك أن يكون الحزب يملك تنظيماً متكاملاً على المستوى الوطني، أي أن يكون لهذا التجمع فروع في جميع أو معظم أقاليم الدولة، ويوجد بذلك علاقات منظمة بين هذه الفروع و الهيئة المركزية. أما إذا كان هذا التجمع محصوراً في إقليم معين أو لفئة محددة فلا يمكن لنا تسميته حزباً إلا تجاوزاً، لأن مثل هذا التجمع يأتي للمناداة و الدفاع عن مصالح إقليمية ضيقة، في حين أن الحزب السياسي يجب أن يكون له برنامج وطني متناولاً جميع المسائل المطروحة في الدولة.
۩ هدف الوصول إلى السلطة :
يعتبر الهدف الأساسي للحزب السياسي العمل للوصول إلى الحكم، أي يجب أن يكون لهذا التجمع إرادة معلنة هدفها الوصول إلى مقاليد السلطة، سواء بمفرده أو بالتحالف مع أحزاب أخرى. أما إذا كان هدفه هو فقط التأثير في الحياة السياسية و التأثير على السلطة فيصنف هذا التجمع كقوة ضغط. و أن يسلك في سبيل الوصول إلى هذا الهدف الطرق المشروعة (المقررة دستورياً و قانونياً)، و بذلك يختلف عن الجمعيات و التنظيمات السرية أو المسلحة التي تهدف للوصول إلى الحكم بطرق غير مشروعة.
و نتيجة لاشتراط ديمومة الحزب و وجوده في أقاليم الدولة و إرادته في الوصول إلى الحكم يجب أن يرتكز أيضاً على دعم شعبي من خلال الانتخابات أو من خلال أعمال أخرى .


المطلب الثاني

وسائل تأثير الأحزاب السياسية

أصبحت الأحزاب السياسية، كما أشرنا، تلعب دوراً أساسياً في الحياة السياسية في الأنظمة الديمقراطية. وفي هذا الإطار تباشر هذه الأحزاب عدة وظائف للتأثير من خلالها في الحياة السياسية. هذه الوظائف تتمحور حول إعلام و تكوين الرأي العام عند الناخبين، و تكوين القادة السياسيين من خلال اختيار المرشحين، و تحقيق الاتصال بين البرلمانيين و ناخبيهم، إضافةً للتأثير على عملهم في البرلمان.

أولاً ـــ إعلام وتكوين الرأي العام :

يعتبر الإعلام أحد أهم وسائل الأحزاب السياسية للتأثير في تكوين الرأي العام، و توجيه الهيئة الناخبة، التي تعتبر السلطة العليا في الدولة و عليها تتوقف الطبيعة السياسية للحكومة.
فالأحزاب السياسية تعتبر حلقة اتصال بين الحكام و المحكومين، و ذلك من خلال الحوار الذي يدور بين أحزاب المعارضة و الأحزاب الحاكمة في معرض مناقشاتهم حول المسائل العامة المطروحة في البلاد. حيث تحاول الأحزاب الحاكمة عادةً الدفاع عن سياسة الحكومة و تقديم نظرة تفاؤلية للأوضاع العامة، في حين تقوم أحزاب المعارضة بانتقاد سياسة الحكومة من خلال تبيان الثغرات فيها و المشاكل التي يعانيها المواطنين، و اقتراح الحلول البديلة لسياسة الحكومة. هذا النقاش أو الجدل السياسي بين الأحزاب الحاكمة و أحزاب المعارضة يسهم بشكل كبير في تكوين الرأي العام للمواطنين حول المسائل و الأوضاع المختلفة في البلاد.
كذلك تقوم الأحزاب السياسية عن طريق الإعلام بالتأثير و توجيه هيئة الناخبين للتصويت إلى هذا الحزب أو ذاك، من خلال محاولة إقناع الناخبين بمبادئها التي تتضمنها عادةً برامجها الانتخابية .

ثانياً ـــ إعداد القادة السياسيين :

إضافةً لوسيلة الإعلام التي تسهم في تكوين الرأي العام، تعتبر الأحزاب السياسية وسيلة أساسية في تكوين القادة السياسيين و الوعي السياسي للمواطنين.
فالأحزاب السياسية تسهم في تكوين الوعي السياسي للمواطنين، من خلال انضمامهم إلى صفوف هذا الحزب أو ذاك، أو مجرد التحزب (عن طريق الدعم و التصويت) لهذا الحزب أو ذاك. و يتم تكوين الوعي السياسي بواسطة التثقيف الذي تلجأ له بعض الأحزاب الإيديولوجية، أو بواسطة التوجيه الذي تلجأ إليه الأحزاب الانتخابية.
كذلك فإن الأحزاب السياسية تسهم في تكوين القادة السياسيين، عن طريق اختيار مرشحيها إلى الانتخابات أو المناصب الحكومية. و يختلف هذا التأثير قوةً وضعفاً باختلاف نظم الانتخاب و الظروف السياسية الخاصة بكل دولة.

ثالثاً ـــ تنظيم عمل البرلمانيين :
لما كانت الأحزاب السياسية تسهم بشكل كبير في تكوين البرلمانيين عن طريق تقديم مرشحيها إلى الانتخابات فإنها تمارس نوعاً من تنظيم عمل نوابها خارج البرلمان و داخله . فالحزب الذي يسعى للحصول على دعم الناخبين، يعمل على استمرارية التواصل بين نوابه و بين الناخبين.
وهذا الاتصال إما أن يكون مباشراً من خلال توجه نوابه إلى الدوائر الانتخابية لشرح المسائل العامة و الإطلاع على مطالب الناخبين و المساهمة في تحقيقها، و إما أن يكون غير مباشر عن طريق مناضلي الحزب الذين يشكلون صلة وصل بين البرلمانيين و ناخبيهم.
كذلك ينظم الحزب نشاط نوابه داخل البرلمان، حيث يجتمع نواب كل حزب، أو الأحزاب المتقاربة، في كتل برلمانية، تسهم في مناقشة المسائل المطروحة و اتخاذ الرأي بشأنها. فالبرلماني المنتمي إلى حزب ما لا يصوت عادةً في البرلمان بحسب قناعته الشخصية بل بحسب توجيه حزبه، و ذلك تحت طائلة الطرد من الحزب.

المطلب الثالث

الأحزاب و الأنظمة السياسية المعاصرة

إن دراسة الأحزاب السياسية تتركز في الواقع على كيفية حضور هذه الأحزاب في تركيبة الحياة السياسية للنظام السياسي في كل دولة، و ذلك من خلال عدد الأحزاب و حجمها، و طريقة التعاون فيما بينها، وكيفية تداولها للسلطة.
وفي هذا الإطار يمكننا أن نميز في الأنظمة السياسية المعاصرة قيامها على أساس : الحزب الواحد، أو الثنائية الحزبية، أو التعددية الحزبية.

أولاً ـــ نظام الحزب الواحد :

يقصد بنظام الحزب الواحد أن ليس في الدولة سوى حزب وحيد يحتكر العمل السياسي، و بالتالي يسيطر وحده على مقاليد الحكم.
وقد نشأ هذا الحزب بدايةً في الاتحاد السوفيتي، قبل أن يعم بعض دول الديمقراطيات الشعبية. يضاف إلى ذلك أن دول الديمقراطيات الشعبية التي لم تأخذ بنظام الحزب الواحد، أنشأت نظاماً جديداً فيه تعددية حزبية، ولكن يبقى هناك حزب مسيطر بنص الدستور و الواقع السياسي.
ويسود نظام الحزب الواحد في وقتنا الحاضر في الصين الشعبية، حيث يعتبر الحزب الشيوعي السلطة السياسية العليا في الدولة.
وفي هذا الصدد فإن أغلب الفقه ينفي عن الأنظمة السياسية التي تأخذ بنظام الحزب الواحد الصفة الديمقراطية، لأنها تؤدي في الحقيقة إلى إسناد السلطة عن طريق انتخابات غير تنافسية.
ثانياً ــــ نظام الثنائية الحزبية :

يقصد بنظام الثنائية الحزبية وجود حزبين كبيرين يسيطران على الحياة السياسية، بحيث يستقطبان اهتمام الناخبين و يقتصر تداول السلطة فيما بينهما، أي أن كلاً منهما يتمكن من الحصول على الأغلبية في البرلمان و تشكيل الحكومة (في الأنظمة البرلمانية طبعاً).
وبمقتضى ذلك فإن نظام الثنائية الحزبية لا يعني مطلقاً وجود حزبين فقط في الدولة، فلا شيء يمنع من وجود حزب ثالث أو أحزاب، و لكن هذا الحزب أو هذه الأحزاب تبقى قليلة التأثير في الحياة السياسية.
وهذه الظاهرة موجودة في العديد من الدول و على رأسها بريطانيا حيث يوجد حزبان مسيطران هما حزب المحافظين و حزب العمال و إلى جانبهما حزب الأحرار و الحزب الاجتماعي الديمقراطي، و الولايات المتحدة الأمريكية حيث الحزبان المسيطران هما الحزب الجمهوري و الحزب الديمقراطي إضافةً لوجود أحزاب صغيرة . وفي الأنظمة ذات الثنائية الحزبية يمكن التمييز بين : الثنائية الحزبية الكاملة، و الثنائية الحزبية الناقصة . فالثنائية الحزبية الكاملة تعني وجود حزبين سياسيين يتقاسمان أصوات الناخبين، بحيث يتمكن أحد الحزبين الحصول على الأغلبية المطلقة و الحكم بمفرده، كما هو الحال في بريطانيا حيث يوجد تداول للسلطة بين حزبي المحافظين و العمال.
كذلك الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يوجد الحزب الجمهوري و الحزب الديمقراطي يحصل أحدهما دائماً على الأغلبية المطلقة في أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما.
وفي الواقع إنّ ما يفرز هذه الحالة في كلتا الدولتين هو نظام الانتخاب فيهما و القائم على الانتخاب الفردي بالأغلبية البسيطة التي تمكن أحد هذين الحزبين من الحصول على أغلبية مطلقة في البرلمان.
أما الثنائية الحزبية الناقصة فتعني وجود حزبين كبيرين يتداولان السلطة، و لكن لا يحصل أحدهما وحده على الأغلبية المطلقة في البرلمان، فيلجأان للائتلاف معاً أو مع أحد الأحزاب الصغيرة. و مثال ذلك ما يحصل في ألمانيا، حيث الحزب الديمقراطي المسيحي و الحزب الاشتراكي الديمقراطي يتداولان السلطة بينهما، فيشكلان ائتلافاً بينهما (و يسمى الائتلاف الكبير)، أو يأتلف أحدهما مع أحد الأحزاب الصغيرة كالحزب الليبرالي أو حزب الخضر (و يسمى بالائتلاف الصغير).

ثالثاً ــــ نظام التعددية الحزبية :

نظام التعددية الحزبية هو المتبع في معظم الأنظمة الديمقراطية، و يقصد به وجود عدد (بالتأكيد أكثر من ثلاثة) من الأحزاب، لا يملك أياً منها الأغلبية المطلقة في البرلمان، فيضطر لتشكيل حكومة ائتلافية بين حزبين أو أكثر.
وفي الحقيقة تعود نشأة التعددية الحزبية إلى عدة أسباب واعتبارات اجتماعية، وطائفية، وعرقية، إضافةً للنظام الانتخابي: فكما أشرنا سابقاً إنّ نظام الانتخاب الفردي بالأغلبية البسيطة أو النسبية لا يشجع على تعدد الأحزاب، في حين أن نظام الانتخاب وفق التمثيل النسبي يعتبر عامل تشجيع لتعدد و كثرة الأحزاب. وتختلف الأنظمة السياسية ذات التعددية الحزبية بسبب الكثير من الاعتبارات، وخصوصاً النظام الانتخابي المعتمد، الذي قد يسمح بوجود استقرار حكومي، أو يؤدي إلى عدم الاستقرار الحكومي أو أزمة حكومية، نتيجة عدم القدرة على تشكيل ائتلاف حكومي بين عدد من الأحزاب يستمر لفترة طويلة أو معقولة. وفي الواقع إن أغلب الأنظمة الديمقراطية تقرر حرية إنشاء الأحزاب السياسية، و تنظم عملها، و تبيّن طريقة تمويلها، و تؤمن استمرارها من خلال عدم جواز حلها إدارياً.

المبحث الثاني

جماعات الضغط

إلى جانب الأحزاب السياسية، تمارس بعض جماعات الضغط تأثيراً في الحياة السياسية لا يقل أهمية عن تأثير الأولى. لذلك سوف نحدد المقصود بجماعات الضغط، و علاقتها بالأحزاب السياسية، و الوسائل التي تستخدمها للتأثير في سلطات الدولة، وأخيراً سوف ندرس نوعاً من جماعات الضغط له خصوصيته والمعروف باسم اللوبي.

المطلب الأول

المقصود بجماعات الضغط

من الصعب إعطاء تعريف جامع و مانع لجماعات الضغط، و لكن يمكننا الاستدلال على العناصر الأساسية لوصف جماعة ما بجماعة ضغط من قولنا : إنّها عدد كبير من الجماعات و الجمعيات و النقابات والشركات…التي في سبيل الدفاع عن مصالح أعضائها أو القيم التي يؤمنون بها، يلجؤون إلى وسائل مختلفة للتأثير على العمل الحكومي و البرلماني و توجيه الرأي العام. من ذلك يمكننا استنتاج عناصرها الأساسية و المتمثلة : بحد أدنى من التنظيم و البنيوية للتجمع، مجموعة من الأفراد يسهمون في حياة التجمع، ويتميزون بمواقف شخصية و جماعية تسهل عملية التضامن فيما بينهم، و يعملون على صعيد المجتمع ككل أو على الصعيد المحلي، و يدافعون عن مصالح أعضاءها المشتركة.
وتتنوع جماعات الضغط من حيث اتجاهاتها و تركيبها، فهناك النقابات و التجمعات الإيديولوجية أو الفكرية أو الأخلاقية أو الدينية.
وتتنوع جماعات الضغط من حيث محور عملها، فهناك جماعات لا عمل لها سوى التأثير على السلطة، و تسمى جماعات ضغط بطبيعتها ، و جماعات لا تمارس الضغط على السلطة إلا بصورة تبعية، حيث تمارس إلى جانب ذلك نشاطات أخرى صناعية، و تجارية… وتسمى جماعات ضغط بالتبعية .


المطلب الثاني

علاقة جماعات الضغط بالأحزاب السياسية

في الواقع إنّ هناك اختلافاً جوهرياً بين جماعات الضغط و الأحزاب السياسية، خاصةً من حيث غرض أو هدف كل منهما.
فكما أشرنا سابقاً بأنه من أسس الحزب السياسي هو العمل للوصول إلى الحكم، في حين أن غرض جماعة الضغط يقتصر فقط على التأثير على السلطة.
بيد أن ذلك لا يعني عدم وجود أية روابط بين جماعات الضغط و الأحزاب السياسية. فقد يكون بعض الأشخاص أعضاء في حزب ما و نقابة ما في آن معاً، و قد يكون مجرد الانتساب إلى نقابة ما يؤدي تلقائياً إلى الانضمام إلى حزب ما كما هو الحال فيما يتعلق بحزب العمال البريطاني الذي يضم في أعضائه أفراداً عاديين و جماعات تمثل النقابات العمالية، التي كانت وراء نشأة هذا الحزب في العام 1900.
و قد تسهم جماعات الضغط في وصول أحد الأحزاب للسلطة من خلال مناصرته و التشيع له : ففي فرنسا مثلاً توجد عدة نقابات عمالية كل منها تناصر إحدى الجهات الحزبية، حيث نقابة C.F.D.T. (الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل) تناصر الحزب الشيوعي، و نقابة F.O. (قوى العمال) تناصر الاشتراكية الدولية…الخ، و في الولايات المتحدة الأمريكية تناصر الفيدرالية الأمريكية للعمل A.F.L. مرشحي الحزب الديمقراطي.

المطلب الثالث

وسائل تأثير جماعات الضغط

تختلف الوسائل التي تلجأ إليها جماعات الضغط للتأثير على عمل السلطة، باختلاف طبيعة و أهداف كل جماعة، و تختلف باختلاف الظروف التاريخية و الموضوعية في كل دولة.

و يمكننا بشكل عام تقسيم هذه الوسائل إلى ثلاث فئات :

۩ الفئة الأولى : الاتصال أو الاحتكاك المباشر مع أصحاب القرار في السلطة (نواب، وزراء، إداريون كبار، شخصيات مؤثرة كأعضاء أحزاب الأغلبية). و يتم ذلك من خلال العلاقات الشخصية، أو خلال تنظيم الحفلات أو الاجتماعات، أو اللقاءات التي تعد لمناقشة المسائل المطروحة على الساحة السياسية، أو من خلال المشاورات أو المفاوضات الرسمية و غير الرسمية بين السلطة و ممثلي هذه الجماعات.
ففي فرنسا مثلاً ظهر مؤخراً ما يسمى بسياسة التشاور أو الاستئناس قبل اتخاذ القرارات الهامة، وخاصةً فيما يتعلق بالقرارات التي تمس شرائح كبيرة من المجتمع كقضايا العمل، و التعليم، والصحة…الخ، و ذلك إما لحل أزمة اجتماعية أدت لإضرابات شلت البلاد، أو لتجنب حدوث ذلك.

۩ الفئة الثانية : الاتصال أو الاحتكاك غير المباشر مع السلطة من خلال وسائل الإعلام، أو من خلال التهديد أو اللجوء إلى الإضراب أو الاحتجاج، مما قد تؤدي في بعض الحالات إلى اتصال مباشر مع السلطة من خلال التفاوض مع المضربين أو المحتجين.

۩ الفئة الثالثة : تتمثل في إمكانية التأثير على السلطة من خلال إسهام جماعات الضغط بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الحملات الانتخابية للمرشحين.

المطلب الرابع

جماعات الضغط المسماة اللوبي

يقصد بتعبير اللوبي Lobby لغوياً الممر أو الدهليز، و كانت ترمي أساساً للدلالة على دهاليز مجلس العموم البريطاني.
هذا المصطلح ظهر منذ منتصف القرن السابع عشر حيث كان البرلمانيون يصطدمون في أروقة مجلس العموم بالذين يحاولون التأثير على أصواتهم، و من ثم دخل هذا المفهوم الولايات المتحدة الأمريكية في بداية القرن التاسع عشر.
واللوبي هو فرد أو تنظيم يعمل لحساب الغير بهدف التأثير على قرارات السلطة. من هذا التعريف يمكننا استنتاج سماته و اختلافه عن بقية جماعات الضغط : فاللوبي ليس جماعة أو مجموعة بالضرورة، فيمكن أن يكون فرداً.
واللوبي يعمل لمصلحة الغير، فرداً أو جماعةً، وبالتالي فإن الضغط الذي يمارسه فرد لمصلحته أو جماعة لمصلحتها لا يعتبر نوعاً من أنواع ضغط اللوبي.
واللوبي لا يستهدف سوى التأثير على قرارات السلطة العامة في جميع مراحلها و في جميع مستويات مؤسساتها: برلمان، سلطة تنفيذية، محاكم، منظمات دولية…، وبالتالي لا يعتبر التأثير على القرارات الخاصة من قبيل ضغط اللوبي. يجب أن يكون مصدر الضغط من خارج المؤسسة المضغوط عليها، فالتأثير من داخل المؤسسة الواحدة على قراراتها لا يعتبر تأثيراً لوبياً. يجب أن تكون هناك نية تسبق الضغط، فالأعمال و الظروف التي تؤثر بشكل عفوي بقرارات السلطة العامة لا تعتبر تأثيراً لوبياً.
وفي الحقيقة إن تأثير اللوبي في الولايات المتحدة الأمريكية عمل على إفساد الحياة السياسية من خلال اللجوء إلى وسائل غير مشروعة كالرشوة و المساومات، مما دعا إلى تنظيمه أو تهذيبه منذ العام 1927، وخاصة منذ قانون 1946 الذي اعتبر اللوبي مهنة، حدد لها نظاماً معيناً بيّن شروط ممارستها، حيث تملك /35/ ولاية حالياً أنظمة خاصة بها لعمل اللوبي.
هذه الظاهرة الفريدة من نوعها في الولايات المتحدة الأمريكية متواجدة على مستوى الاتحاد أو على مستوى الولايات، تنشأ عادة من قبل نجوم المال و الاقتصاد و السياسة…الخ، و تأخذ مسميات متعددة متعلقة عادةً بالجنسية أو العرق أو الدين… مثل اللوبي اليهودي واللوبي الكاثوليكي و اللوبي العربي واللوبي الإيطالي و اللوبي الياباني واللوبي الأسود ..الخ. و ظاهرة اللوبيات Lobbying أصبحت صناعة بمعنى الكلمة، و هي في تعاظم مستمر و خاصة خلال السنوات 1970-1980 بسبب النصوص التي تنظم عملية تمويل الحملات الانتخابية.
فعدد أعضاء اللوبي Les Lobbies ارتفع من /9000/ عام 1976 إلى /35000/ عام 1990، و في واشنطن وحدها تم تسجيل أكثر من /15000/ لوبي لدى مجلسي الكونغرس، يمارسون ضغوطاً فقط على أعضاء الكونغرس .
والمبالغ التي ينفقها اللوبي ضخمة جداً : فمثلاً اللوبي الياباني انفق حوالي /400/ مليون دولار سنوياً خلال السنوات الأولى من فترة الثمانينات من أجل منع إقرار التشريعات الهادفة لحماية السوق الأمريكية في مواجهة البضائع اليابانية.

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا