Sunday, November 25, 2012

دراسة: سيف العدالة والمعتقل السياسي


وجود معتقلين سياسيين يعد نوعا من التأثير على السلطة القضائية برمتها

إن الحالة المأساوية التي تعيشها بعض البلدان خاصة تلك التي تخطو نحو الديمقراطية و التي مازالت لم تنتقل من الخطاب إلى الممارسة، إذ تكتفي فقط برفع شعارات مدوية لها ارتباط بقيم الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان والحداثة والتحديث تقود بعض الأشخاص الذين لا يستطيعون التزام الصمت أو اختيار الهجرة إلى الخارج إلى وضع أيديهم على القضايا الأساسية بكل شجاعة وجرأة الأمر الذي يعتقده الحاقدون من المتسلطين والنافذين بمثابة صفعة لهم يتعين الرد عليها ولو بطرق عنيفة وغير قانونية.

هذه الفئة تتبنى أفكارا سامية ومثالية وتلتزم بمبادئ وقيم كونية  تمكنها من إدراك ما يحيط بها من ممارسات غير قانونية و ظواهر سلبية فتروم بالأساس إلى إزعاج السلطة والتشويش عليها من خلال أنشطتها التي لا ترقى إلى جرائم حسب مقتضيات القانون الجنائي طالما أنها لا تحدث أي اضطراب في العمق.
فطبيعة وخصوصية كل بلد تظلان حاضرتين للتمييز بين المعتقل السياسي وغيره، فالحديث عن المعتقل السياسي لا يقوم إلا بتوافر بعض الشروط العامة وأخرى خاصة.
فالأولى أي الشروط العامة تهم بيئة ومحيط البلد الذي يعرف هذا النوع من الاعتقاد وتتلخص في مايلي: انتشار ثقافة الصمت لأسباب معلومة رغم الانتهاكات والخروقات الخطيرة للقانون.
غياب جودة القانون بمعنى توظيف القانون لترسيخ عدم استقلال القضاء. وعلى سبيل المثال فمن ضمن القوانين الجديدة التي تتميز بعض قواعدها بالجودة العالية نذكر مدونة السير الجديدة وبالضبط القاعدة التي ألزمت سلوك مسطرة التحقيق الإعدادي كلما تعلق الأمر بحوادث سير مميتة لوضع حد للإشاعات والأخبار الزائفة التي تثار في بعض الحالات خاصة تلك التي ترتكب في ظروف وملابسات غامضة.
تكريس الظلم والتعذيب بجميع ألوانهما
ترسيخ الإفلات من العقاب بالنسبة للفئة المحظوظة
تقوية سلطة الضابطة القضائية على حساب إضعاف وتهميش سلطة النيابة العامة ولو على مستوى الممارسة العملية.
عدم قبول النقد و المعارضة الحقيقية
للإشارة فان الشروط العامة السابق ذكرها تتحقق أيضا في الدول الديمقراطية ولكن بحدة أقل مما يجعل ظاهرة الاعتقال السياسي ظاهرة عالمية لا تهتم بها فقط الأجهزة الوطنية من قبيل وزارة العدل ووزارة الخارجية والمجلس الأعلى للجالية المغربية وغيرها من المجالس بخصوص أيضا المعتقلين السياسيين المغاربة بالسجون الأجنبية، بل الأمر يهم أيضا الأجهزة الدولية كمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمات العفو الدولية وغيرها من المؤسسات.
أما فيما يتعلق بالشروط الخاصة فتنحصر فيما يلي :
الشروط الخاصة بصفة وأنشطة المعتقل السياسي : فالأنشطة التي يزاولها المعني بالأمر لا ترقى إلى جرائم ورغم ذلك تكون هي السبب لكون المعني بالأمر تجرأ على معارضة ونقد السلطة القائمة فتسارع هذه الأخيرة قبل اللجوء إلى اعتقال المعني بالأمر إلى القيام بمحاولات ترويضه وتطويعه، وعند الفشل محاولة المس بحالته النفسية والعمل على إحباطه بشتى الوسائل، وعند الفشل أيضا استهداف حياته، مع العلم أن هذه المحاولات تشمل أيضا أقاربه للضغط والتأثير عليه . ولا داعي للتوضيح أن السلطة القائمة تنجح وتتفوق في سعيها في ظل خلط الأوراق.
شروط خاصة بالمحاكمة والحكم الصادر في حق المعتقل السياسي : فالمعني بالأمر يخضع لمحاكمة صورية تنعدم بشأنها في العمق الجريمة وبالتبعية وسائل الاثبات خلافا للجرائم السياسية .
فهذه الأخيرة يتوخى مرتكبها إلى زعزعة استقرار البلد فتعتبرها السلطة القائمة بمثابة تحد كبير يستوجب زجره للحفاظ على الاستقرار والاستمرارية، سيما وأنها أي الجرائم السياسية تستهدف الإضرار فقط بالمؤسسات و ليس بالحقوق الخاصة .
أما المعتقل السياسي فيزج به في السجن في خرق سافر للفصلين 1 و 2 من القانون الجنائي كما يستخلص من السالف ذكره فقد نص الفصل 1 « يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي و يوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو تدابير وقائية وينص الفصل 3 « لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل يعد جريمة بصريح القانون و لا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون .
3- شروط بتنفيذ العقوبة : تبعا لما سبق ذكره فان الهدف من اعتقال المعني بالأمر وترويضه وتطويعه من جديد وليس تأهيله وتهذيبه وإعادة إدماجه من جديد لكونه لا يكتسب في الأساس صفة مجرم و بالتالي لا تطبق عليه نظرية علم الإجرام في فهم شخصيته ومحيطه، وعليه دعا بعض الحقوقيين في لقاءات دولية إلى سن نظام اعتقال خاص بهذه الفئة طالما أن الأحكام الصادرة في حق أفرادها تفتقر للشرعية بحيث يتعين تزويدهم بغرفة خاصة و كتب حسب طلبهم......... إلى آخره.
و قد اعتبر بعض الفقهاء و رجال القانون أن المعتقل السياسي على خلاف مرتكبي الجرائم السياسية طبعا. يثير المسؤولية السياسية للمحكمة التي أصدرت الحكم في خرق للقيم و المبادئ الكونية، مع العلم أن المعتقل السياسي بمجرد إصدار الحكم في حقه أو بالأحرى بمجرد متابعته لا يتحول إلى سجين بقدر ما يتحول إلى شاهد على طبيعة ونوعية السلطة القائمة.
فالحديث عن هذه الظاهرة التي تكتسي صبغة عالمية يرجع الفضل فيه إلى ظهور القارة السادسة التي أنتجها التقدم العلمي والتطور التكنولوجي، وأن الوقوف على أسبابها وتجلياتها ومظاهرها يلزمنا استحضار فلسفة الثورات الربانية التي يعود الفضل في تنفيذها إلى الرسل والأنبياء .
ومن باب التلخيص فإن وجود معتقلين سياسيين يعد نوعا من التأثير على السلطة القضائية برمتها، على اعتبار أن الأحكام الصادرة في حقهم تعد غير شرعية ولا تعتبر بالتالي عنوانا للحقيقة .

بقلم:  عادل فتحي, نائب وكيل الملك بابتدائية تازة-عضو ناشط في الجمعيات المهنية القضائية

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا