Sunday, November 25, 2012

حرية الرأي والتعبير مابين الموضوعية والشخصنة


حرية الرأي والتعبير مابين الموضوعية والشخصنة
من المبادئ والتقاليد الراسخة في عالم القضاء ؛ والتي تنص عليها قوانين غالبية الأمم المتمدينة ؛ هو عدم التعرض للأحكام القضائية بالنقد العلني ؛ وذلك لسببين :
السبب الأول هو أنه في حالة كون هذه الأحكام ابتدائية ؛ أي أنها مازالت مطروحة أمام القضاء وسبيل استئنافها أو نقضها مفتوح ؛ فالتعرض لها بالنقد يؤدى إلى التأثير على هيئة القضاء التي تنظر موضوع الدعوى ؛ والأصل عدم التأثير على الهيئة القضائية ؛ واستقلالها التام في أعمالها .
والسبب الثاني هو أنه لو صارت هذه الأحكام نهائية باتة بمعنى استنفذت وسائل استئنافها أو نقضها ؛ فلا مندوحة من القول بأن الحكم عنوان الحقيقة وينبغي إسباغ قد سية على الأحكام لصالح العدالة والاستقرار وعدم إشاعة الفوضى في المجتمع .ولكن عدم التعرض للأحكام علنا خارج ساحات القضاء شيء؛ والتعرض لها بالنقد بالوسائل الإجرائية المتاحة شيء آخر.
فعدم التعرض للحكم بالنقد والتجريح لهو من الحريات الأساسية المكفولة لهيئة الدفاع مهما أسبغت على الحكم من أوصاف كالقول : حكم باطل .... فاسد الاستدلال ..... عدم تحصيل وقائع الدعوى .... يخالف القانون.... حكم غير صائب ......الخ
وهناك فارق بين مقاضاة الحكم ؛ ومقاضاة مُصدره ( سواء كان قاض فرد أو هيئة قضائية ) بمعنى قُل في الحكم ماشئت ؛ ولا تتعرض لمُصدره بتجريح شخصي ؛ فإن أبيت سوى التجريح الشخصي ؛ فله مجال آخر ؛ وقد نظم القانون ذلك وهو مخاصمة مُصدر الحكم ( مُخاصمة القضاء ) ؛ لأنه غشاش والبينة على من ادعى .إذن ففي مجال المقاضاة نظم القانون حرية الرأي والتعبير مابين الموضوعية والشخصنة وكذلك الحال كعرف عام ودستور غير مكتوب بين أصحاب الرأي وهو ما يمكن وصفه بالحرية المسئولة ، المنضبطة.
الأصل في حرية الرأي والتعبير هي أن يبدي صاحب الرأي وجهة نظره بحيث لا تتعدى هذه الحرية حدود الموضوع ؛ومحل الخلاف ؛ ولا يتعدى للأشخاص .
فالتشخيص أو والشخصنة ؛ أي التعرض للأشخاص بالإساءة والتجريح ؛ غير مقبول فقط لمجرد اغتنام الفرصة لتصفية حسابات ؛ وإسباغ نعوت تُمحى الحدود الفاصلة بين حرية التعبير وبين انتقاصها. فكما أن هناك الحق هناك إساءة استعمال الحق أيضا، فلك الحق الكامل في إبداء رأيك وتفنيد حجج خصومك مهما كانت حدة تداول الرأي ؛ وليس لك إساءة استعمال الحق بالإساءة للآخرين وتجريحهم .
فالفهم الخاطئ ؛ وبتر الكلام ونزعه من سياقه وكيل الاتهامات المتخيلة ؛ لهى من معالم إساءة استعمال حرية التعبير ؛ فلا قراءة واعية ولا حسن فهم أو أدب، والشخصنة تنحو نحو رؤية الموضوعات المطروحة من خلال ما في نفوسنا من أشخاصها أو ما في نفوسنا من فكرة ما يطرحه الكاتب فيتحول نقدنا لهجوم على الشخص لا الفكر .والحق أنه لا يمكن عزل وفصل أصحاب الرأي عما يطرحونه من أفكار عزلا تاماً ؛ و لكن جعل صاحب رأى ما هو أساس كل المشكلة شيء يأباه المنطق والعقل السليم .
والاختلاف سنة الله في الأرض و لو أراد الله لجعلنا امة واحدة. ولو لا الاختلاف لما رأينا التمايز بين الثقافات والديانات والعادات، فالتعددية من السنن الكونية ؛ وينبغي دائما قبول الآخر ؛ لا إقصاؤه .ولكن ثقافة الاستسهال ؛ تفرز وتشكل شخصيات لا تسمع ولا تقبل الرأي الآخر دون أن تشخصنه .

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا