Wednesday, January 16, 2013

دراسة في القانون: أي أثر للإضراب على الدخل ؟ (الحلقة الثانية)


للعمل أو الشغل مفهوم راسخ لا جدال حوله، فهو حقيقة ثابتة في الماضي والحاضر والمستقبل، وهو مصدر كل إنتاج وثروة وحضارة وخير ، وهو ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات ويفضله عنها. فبالعمل وحده انتقل الإنسان من حالة الهمجية إلى حالة التحضر والمدنية، وعن طريق العمل  تحرر الإنسان من قسوة الطبيعة،
محولا مواردها إلى خيرات ينتفع بها ويشبع حاجاته منها باستمرار، وبفضل العمل، أقام الإنسان علاقات اجتماعية ونمت المجتمعات وازدهرت الحضارات وظهرت علاقات العمل التي تطورت من فردية إلى جماعية.

القضاء المغربي متأثرا بنظيره الفرنسي، سيما مجلس الدولة قد اشترط عناصر معينة للقول بوجود إضراب وهي:
أن تتوفر الصفة الجماعية في التوقف عن العمل ، ونستدل على ذلك بحكم للمحكمة الإدارية بفاس  عدد 43/2002/3 غ بتاريخ 14/7/2004 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 55 لسنة 2004 – ص 140 والذي جاء فيه :»حق الإضراب هو توقف بعض أو كل موظفي المرافق  العامة عن العمل كوسيلة للضغط على الإدارة قصد إظهار الاستياء من أمر محدد أو تحسين ظروف العمل أو القيام بنشاط معين»، ومعنى هذا أن التوقف الفردي عن العمل لا يعتبر إضرابا؛ أن يكون هذا التوقف لفترة مؤقتة وهو ما أكدته المحكمة الإدارية بالرباط في حكم صادر عنها بتاريخ 7/2/2006 في الملف عدد 92  منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد86 لسنة 2006 ص 125، والذي جاء فيه:»إضراب الموظفين هو امتناعهم عن تأدية وظائفهم بصفة مؤقتة تعبيرا عن عدم الرضى عن أمر معين ..»، وهو المقتضى الذي أكدته المحكمة الإدارية بمكناس من خلال حكم صادر عنها تحت عدد63/2001/3 غ بتاريخ 12/7/2001 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 42 لسنة 2002 ص170 والذي جاء فيه :»...أن يكون الإضراب محددا في الزمان، أما الإضراب المفتوح فلا يكتسي طابعا شرعيا لما له من تأثير خطير على سير المرفق العمومي ...»، كما يجب أن يكون الهدف من هذا التوقف هو تحسين شروط العمل وظروفه أي تحقيق مطالب مهنية للأجراء، علما أن المحكمة ملزمة ببيان ماهية هذه المطالب حتى يمكن تقييمها والبحث في مشروعيتها وإلا تعرض قرارها للنقض ، وهذا ما أكده قرار الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى – محكمة النقض- عدد559 بتاريخ 9 أبريل 1966 في الملف الاجتماعي عدد8224/94 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد52 لسنة 1998 ص 202 .
وإذا كان القضاء الإداري حسب غالبية الفقه سباقا لتحديد مفهوم الإضراب وضوابط ممارسته على خلاف القضاء الاجتماعي ، فإن ذلك يرجع وكما سبق بيانه إلى كون الإضراب هو أحد مواضيع علاقات الشغل الجماعية التي لا ينظر فيها القضاء الاجتماعي إلا عرضا بمناسبة عرض نزاع فردي عليه، كما لو تعلق الأمر بإضراب مجموعة من العمال تضامنا مع زميل لهم تم طرده من العمل بسبب ارتكابه خطأ جسيما، فتعرضوا بدورهم للطرد بسبب التوقف عن العمل .
    والإضراب بصفته إحدى صور الخلاف الجماعي للشغل ، وإحدى الوسائل غير السلمية لحل نزاعات الشغل الجماعية، يظل مؤشرا أساسيا على مستوى نمو الطبقة العاملة .
والممارسة العمالية لحق الإضراب قد تتمظهر بمظهر المشروعية أو تأخذ طابع اللامشروعية لا سيما في غياب نص تنظيمي - كما هو الحال في المغرب- يرســـم الحدود بين المشروعية و اللامشروعية عند ممارسة  هذا الحق الدستوري، علما أن المشروعية  تعرف عادة، بأنها الخاصية التي تميز الفعل  أو التصرف الموافق للقانون.
ويجب التمييز بين مشروعية الإضراب كحق من الحقوق الأساسية، وبين مصادر هذه المشروعية، فأساس مشروعية الإضراب تستمد من حق الجماعة وحريتها في الدفاع عن حقوقها المهنية المشروعة في مواجهة تعسف أرباب العمل، الذين يستمدون قوتهم من قوة الرأسمال الذي بيدهم، لذلك اعتبر الإضراب متى كان مشروعا انتصارا للحرية والكرامة من جهة ، ونبذا للظلم والاستبداد والقهر والاستعباد من جهة أخرى، وهي كلها قيم لصيقة بالإنسان تدور معه وجودا وعدما، ومن ثم فهي إحدى الحريات العامة وأحد حقوق الإنسان الأساسية.
أما مصادر مشروعية الإضراب، فهي متنوعة بدءا بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية لسموها عن القانون الداخلي، ومرورا بالدستور باعتباره أسمى تعبير عن إرادة الأمة، وانتهاء بباقي القوانين العادية الأخرى التي اعترفت بالإضراب إما صراحة أو ضمنا.
فعلى مستوى المواثيق الدولية، نجد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966، واللذان أكدا معا على حق الفرد في الانضمام إلى نقابة مهنية يختارها، وحق هذه الأخيرة في ممارسة نشاطها بحرية بما في ذلك حق الإضراب شريطة ممارسته وفقا للضوابط المعمول بها داخل البلد.
واهتمت منظمة العمل الدولية بدورها بالإضراب باعتبارها إحدى صور الخلاف الجماعي للشغل، ويظهر ذلك من الدعوة إلى الوساطة والتوفيق والتحكيم والمفاوضة الجماعية، وعدم اللجوء إلى الإضراب والإغلاق إلا بعد استيفاء وسائل التسوية السلمية، كل ذلك بهدف الحفاظ على استقرار علاقات الشغل الفردية والجماعية على حد سواء.
   وأصدرت منظمة العمل الدولية في هذا الإطار عدة اتفاقيات وتوصيات التي تعترف ضمنيا بالإضراب.
    وفي هذا الإطار، جاءت التوصية رقم 92 بعدة أحكام تتعلق بالتوفيق الاختياري والتحكيم الاختياري كأسلوبين لحل خلافات الشغل الجماعية، وحث أطراف الخلاف على عدم اللجوء إلى الإضراب والإغلاق في حال عرض النزاع على التوفيق والتحكيم.

بقلم: يونس العياشي, قاض ملحق بوزارة العدل والحريات
دكتور في الحقوق

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا