Sunday, April 21, 2013

دراسة في القانون : السياسة الجنائية في ضوء المستجدات الدستورية


إذا كان للمغرب سياسات جنائية متعددة، فإن مختلف الفاعلين أجمعوا على كونها كانت فاشلة، وهو ما تمت ملامسته خلال ندوة السياسة  الجنائية بالمغرب المنعقدة بإشراف وزارة العدل بمكناس. إذ دلت المداخلات المتوالية حينها على أن سياسة التجريم   والعقاب تعرف مأزقا حقيقيا، لدرجة أن الإحصائيات التي تم الإفصاح عنها عندئذ أعطت الدليل
على وجود اضطراب واضح في رسم معالم سياسة جنائية لها قواعدها   العلمية وآفاقها العملية وتأثيراتها الواقعية.



إن الحديث عن السياسة الجنائية حديث تتداخل فيه مجموعة من الإشكاليات المترابطة في ما بينها، ذلك أن تداخل العوامل المؤثرة في صناعة قرار السياسة الجنائية يعتبر في حد ذاته عاملا يحجب الرؤية عن تلك السياسة و مآلها في الواقع.
ولا نجازف بالقول إن النهج نفسه لايزال يطبع السياسة الجنائية بالمغرب، إذ أن النظرة التقليدية لهذا الموضوع و تمثله في ذهنية القائمين على رسمها، يعتبر في حد ذاته عائقا من عوائق تطور السياسة الجنائية وفاعليتها. لذلك وجب إعادة النظر في هذه السياسة سواء من حيث أسسها والجهات الموكول لها التدخل فيها مع الاهتمام برصد تجلياتها وأخيرا تقييمها من خلال النتائج المحققة.
إن الدعوة إلى إعادة النظر في آليات إنتاج السياسة الجنائية تحكمه مجموعة من العوامل، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو اقتصادي ومنها ما هو مهني صرف ونقصد هنا قضائي. وكل ذلك يأتي في سياق تحول ديمقراطي يسير فيه المغرب وفق رؤيته المتميزة والمطبوعة بطابع حقوقي صرف يجب أخذه بعين الاعتبار.
لذلك فإن السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو : هل بالفعل أصبح المغرب في حاجة إلى إعادة النظر في آليات إنتاج سياسته الجنائية وفق منظور مغاير لما تم التعارف عليه أم أن الاستمرار في النهج نفسه كاف؟
إن الجواب على هذا التساؤل سيعطي للمهتمين والمتدخلين فرصة النقاش حول النظرة التقليدية التي كانت سائدة بالمغرب حول صنع قرار السياسة الجنائية، كما سيساهم في بلورة تصور متقدم عن الموضوع ذاته انطلاقا من الإقرار بوجود واقع جديد متسم بسيادة دستور يعتبره المراقبون أنه وثيقة للحقوق والحريات.
ولذلك فقد ارتأينا أن يكون موضوعنا على محورين، المحور الأول نخصصه للحديث عن النظرة التقليدية للسياسة الجنائية، لنستشرف الآفاق في المحور الثاني بالحديث عن التصور المناسب لرسم السياسة الجنائية في ظل دولة مغربية حديثة وملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان وحرياته.
أزمة السياسة الجنائية المغربية
من المعلوم أن الحديث عن السياسة الجنائية ليس جديدا، فقد تناول هذا الموضوع مجموعة من الفاعلين على طول السنين، ولقد كانت ندوة «السياسة الجنائية : واقع و آفاق « المنعقدة بمدينة مكناس خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 11 دجنبر 2004 فرصة التقى فيها المسؤولون والمهتمون والمتدخلون في شؤون العدالة الجنائية، من أجل تدارس واقع السياسة الجنائية المغربية التي كانت منتهجة ولا تزال لحد تاريخه. وقد كان القاسم المشترك لمختلف التدخلات هو تلك الرؤية السلبية السائدة، إذ لا حظ جل المتدخلين بأن هناك خللا ما يعتري تلك السياسة.
فإذا كانت السياسة الجنائية تنبني على النظر في الأسس التي تقوم عليها سياستي التجريم والعقاب، فإن تلك السياسة اتسمت خلال الحقبة التاريخية للمغرب بالطابع الأمني، وهو ما جعل الهاجس الأمني يطبع التفكير في التجريم والعقاب وكذا شروط المحاكمة. ولعل المقاربة الأمنية تلك أدت إلى رصد الجريمة من وجهة نظر ضيقة جعلت المغرب يعرف تضخما تشريعيا على مستوى التجريم والعقاب، بل إن الأمر لم يعد يرتبط أساسا بالمجالات التي يحتمل فيها التجريم وإنما امتد إلى التجريم في بعض المجالات التي لا يتصور التجريم فيها في الدول المتقدمة كما هو الأمر مثلا بالنسبة للقوانين الاقتصادية والمالية وقوانين الأعمال التي يفترض فيها تشجيع الاستثمار.
إن مفهوم السياسة الجنائية كما كان متعارف عليه تقليديا بالمغرب لم يعد يستجيب للحاجيات الملحة للدولة المغربية في الوقت الحاضر، ذلك أن النظرة الاحتكارية لصنع القرار في الميدان الجنائي من قبل الحكومة يجب أن يعاد فيها النظر. فغياب التشريع المنظم لرسم السياسة الجنائية أدى بالحكومة إلى الاستحواذ على هذا الاختصاص وهذه السلطة ولعل الناظر في التاريخ السياسي والمؤسساتي المغربي الحديث قد يجد لذلك السلوك ما يبرره.
من المعلوم أن المسطرة الجنائية لسنة 1974 عرفت نوعا من الشخصنة لمؤسسة وزير العدل، ذلك أنه بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 48 من القانون المذكور نجدها أنها تنص على أنه  : « يمكن لوزير العدل أن يبلغ إلى رئيس النيابة العامة ما يصل إلى علمه من مخالفات للقانون الجنائي ويأمره بأن يتابع أو يكلف من يتابع مرتكبيها ويأمره بأن يدفع كتابة إلى المحكمة المختصة ما يراه الوزير ملائما من الالتماسات «، إذ يلاحظ أن هذا المقتضى ركز على مركزية وزير العدل وإعطائه دورا أساسيا يمكنه من التدخل المباشر في العملية القضائية انطلاقا من أنه « مسؤولا عن قطاع العدل « وهو المقتضى نفسه الذي طبع مقتضيات قانونية أخرى تنظم عمل النيابة العامة كما هو الأمر مثلا بالنسبة للفصل 36 من القانون نفسه الذي ينظم ملتمسات النيابة العامة لدى المحاكم الابتدائية.
وإذا كان مفهوما أن المغرب كان يمر في اللحظة التاريخية التي وضع فيها هذا قانون 1974 بظروف استثنائية على المستوى السياسي والأمني، فإن تلك الظروف ما لبثت أن تغير مع مرور السنين ليشهد المغرب تطورا مؤسساتيا جعله ينعم باستقرار أمني يشهد له القاصي والداني. إلا أن النظرة التقليدية للسياسة الجنائية لم تتغير ولم يؤثر فيها عزم الدولة المغربية الأكيد في الانخراط في المنظومة الحقوقية الدولية. لذلك فإننا نجد تصميما من لدن الجهات المعنية على تكريس سلطة وزير العدل وإعطائه المزيد من الصلاحيات، ويظهر ذلك جليا من خلال مقتضيات المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002، والتي تنص على أنه : « يشرف وزير العدل على تنفيذ السياسة الجنائية، ويبلغها إلى الوكلاء العامين للملك الذين يسهرون على تطبيقها. وله أن يبلغ إلى الوكيل العام للملك ما يصل إلى علمه من مخالفات للقانون الجنائي، وأن يأمره كتابة بمتابعة مرتكبيها أن يكلف من يقوم بذلك، أو أن يرفع إلى المحكمة المختصة ما يراه الوزير ملائما من ملتمسات كتابية «.
 بقلم: عبد السلام العيماني, عضو المجلس الأعلى للقضاء
وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط


No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا