Monday, May 13, 2013

دراسة في القانون: خدم البيوت وسؤال الحماية القانونية (2/3)


إذا كان  من واجبات الزوجة الشرعية  أن  تشرف بنفسها على شؤون بيت الزوجية ، فإن خروجها للعمل  قد يجعل مجرد الإشراف أمرا مرهقا.
  وإذا كانت الزوجة والحالة هاته عاجزة بمفردها، فهي حتما قادرة بغيرها، ومن ثم تأتي الحاجة الملحة لاستئجار عمل الغير،
ليس فقط للإشراف على شؤون بيت الزوجية وإنما للقيام بها. عرف الدكتور حسن كيرة خدم المنازل بالقول :» خدم المنازل هم الأشخاص الذين يقومون بأعمال مادية متصلة بشخص صاحب المنزل – بوصفه هذا – أو بأشخاص ذويه وعادة تكون هذه الأعمال المادية أعمالا متواضعة «.
وعليه يشترط لاعتبار الشخص خادما في البيت :
أولا : أن يزاول الخادم العمل في البيت أو في أحد ملحقاته، وأن يكون بحكم عمله قادرا على الاطلاع على أسرار مخدومه.
ثانيا : أن يقوم الخادم بعمل مادي أي يدويا متصلا بشخص المخدوم أو أحد أفراد عائلته .
وتأسيسا على ما استقر عليه رأي الفقهاء وتناولته بعض التشريعات نعرف من جانبنا، عقد خدم البيوت بالقول :»هو كل عقد يتعهد بمقتضاه الخادم بأداء عمل يدوي تحت  توجيه  وإشراف مخدومه ولفائدته أو لفائدة أحد أقاربه، ويكون بحكم عمله قادرا على الاطلاع على أسرار بيت مخدومه، وذلك نظير أجر يلتزم هذا الأخير بدفعه له .
قراءة في  مشروع قانون  رقم 12-19 الخاص بعمال المنازل
يجد هذا المشروع أساسه في المادة 4 من مدونة الشغل والتي جاء فيها :  « يحدد قانون خاص شروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت». وتفعيلا لهذه المادة أعدت وزارة التشغيل والتكوين المهني هذا المشروع الذي يهدف إلى إقرار حماية اجتماعية لهم وتمتيعهم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وقد تمت إحالة هذا المشروع على الأمانة العامة للحكومة، وتم سحبه منها في عدة مناسبات، وذلك بهدف تحيينه وإدخال تعديلات عليه، بعد أن أبدت بعض الجهات الرسمية ملاحظات واقتراحات وآراء جديدة، تم أخذها بعين الاعتبار في هذا المشروع 12-19، والذي روعيت فيه التزامات المغرب الدولية، سيما مصادقته على الاتفاقيتين الدوليتين الصادرتين عن منظمة العمل الدولية الأولى رقم 138 حول تحديد ولوج سن العمل في 15 سنة ، والثانية رقم 182 حول أسوأ أشكال عمل الأطفال.
ويتضمن المشروع 16 مادة موزعة على 5 أبواب وهي:
-أحكام عامة مخصصة للتعاريف وبالأشغال المرتبطة بالبيت.
-شروط تشغيل العمال المنزليين.
-الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية وأيام الأعياد الوطنية والدينية وأيام العطل.
-الأجرة.
-المراقبة والعقوبات.
فما هي السمات الأساسية  لهذا المشروع؟ وهل هناك من ملاحظات يمكن إثارتها بشأنه؟
لقد استبدل المشروع تسمية «خدم البيوت» بتسمية أخرى هي «العمال المنزليون»، وذلك تكريسا لمفهوم العمل اللائق، كما منع تشغيل عمال منزليين إذا كانت أعمارهم تقل عن 15 سنة أو تشغيلهم في أعمال خطرة، وأقر المشروع عقوبات زجرية في حق  كل شخص طبيعي يتوسط  بشكل اعتيادي في تشغيل العمال المنزليين، وأخضع تشغيل العمال المنزليين الأجانب إلى رخصة من الوزارة المكلفة بالتشغيل، وأعطى لمفتش الشغل صلاحية إجراء محاولة التصالح  بين المشغل والعامل المنزلي.
وقد كانت لدينا مناسبة سانحة للإطلاع على هذا المشروع فكانت ملاحظاتنا  حوله ما يلي:
أولا :أحكام عامة.
حدد المشروع من خلال المادة 1 المقصود بالعامل المنزلي، وهو كل عامل يقوم بشكل مستمر مقابل أجر، بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت.
والحقيقة أن هذا التعريف لئن كان قد احترم المبدأ العام الذي سارت عليه مدونة الشغل في اعتبار أن الأصل أن يكون عقد الشغل غير محدد المدة – المادة 16-، فإنه لم يأخذ بعين الاعتبار باقي أنواع عقود الشغل الأخرى كعقد الشغل محدد المدة، وعقد الشغل من أجل إنجاز عمل معين – المادة 16 - .
ومعنى هذا أن عمل العامل المنزلي ليس بالضرورة أن يكون مستمرا، بل قد يكون محدد المدة وقد يكون من أجل إنجاز عمل معين ليس إلا، ما قد يسمح للعامل المنزلي بالاشتغال عند أكثر من صاحب بيت في اليوم الواحد.
لذلك يجب أخذ هذه الملاحظة عند تعريف العامل المنزلي وعدم ربط صفة العامل المنزلي بعنصر الاستمرارية في العمل وعند صاحب منزل واحد.
كما أن صاحب البيت قد يستأجر عمل عامل منزلي واحد أو أكثر لإنجاز الأشغال المنصوص عليها في المادة 2 أدناه، بحيث نقترح عدم تعداد الأشغال التي يمكن القيام بها من قبل العامل المنزلي، وربط ذلك بما جرى عليه العرف والعادة داخل الأسرة المغربية من طبخ وتنظيف وعناية بالأطفال وبالعجزة، علما أن  العناية بالأطفال وتربيتهم ورعاية شؤون البيت الواردة في المشروع وتحديدا المادة 2 منه هي مسؤولية مشتركة بين الزوجين بمقتضى المادة 51 من مدونة الأسرة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تفويضها للعامل المنزلي.
ثانيا : شروط تشغيل العمال المنزليين.
إذا كان المشرع من خلال المادة 4 من مدونة الشغل، اعترف بأن العلاقة التي تجمع بين العامل المنزلي وصاحب البيت هي علاقة شغل، فإن هذه العلاقة يجب أن تنظم بمقتضى عقد شغل اسمه «عقد الخدمة في المنازل» أو «عقد العمل بالمنازل « يحدد شكله وبياناته بنص تنظيمي أسوة  بعقود عمال المنازل الأجانب  المنظمة أحكامه بمقتضى المادة 517 من مدونة الشغل - في ثلاثة نظائر مصححة الإمضاء من قبل الطرفين - وليس بتصريح يعده صاحب البيت، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأهلية المدنية للشخص كما هي مقررة في المادة 209 من مدونة الأسرة – 18 سنة شمسية كاملة – والتي  تختلف عن الأهلية المقررة للقبول في الشغل، والمحددة حسب  المادة 143 من مدونة الشغل في 15 سنة كاملة، ما يعني أن موافقة ولي ناقص الأهلية وتوقيعه على عقد الشغل أمر لا غنى عنه، تحت طائلة اعتبار العقد قابلا للإبطال ممن له المصلحة طبقا للفصل 4 من قانون الالتزامات والعقود، علما أن عقد شغل الذي يجمع بين العامل المنزلي وصاحب البيت يبقى عقدا رضائيا في الأصل يمكن إثباته بكافة وسائل الإثبات القانونية بما فيها شهادة الشهود.

بقلم: يونس العياشي,  قاض ملحق بوزارة العدل والحريات
دكتور في الحقوق

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا