Saturday, May 18, 2013

دراسة في القانون : المحاكمة العادلة على ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية والعمل القضائي الدولي


تعتبر المحاكمة العادلة من أهم مواضيع حقوق الإنسان، وهي مؤشر على مدى احترام الدولة لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، ومقياس أصيل   في بناء دولة القانون.    وقد يعتقد البعض عن خطأ أن المحاكمة العادلة ضماناتها تخص القضاء الجنائي وحده، بيد أن المحاكمة العادلة   تصورها وضرورتها وتجلياتها تمتد لتشمل القضاء المدني وغيره من شعب القضاء الأخرى.

يرى بعض الفقه عن حق أن المحاكمة العادلة في الميدان الجنائي غير قاصرة على مرحلة المحاكمة، بل تشتمل مرحلة ما قبل المحاكمة - البحث التمهيدي المنجز من قبل الشرطة القضائية، الاستنطاق أمام النيابة العامة ، التحقيق الإعدادي - وتمتد إلى ما بعدها من خلال الطعن المسموح به في الحكم أو القرار القضائي – سواء كان الطعن عاديا أو غير عادي – وظروف تنفيذه. 
وتحتل المحاكمة العادلة مكانة متميزة في الاتفاقيات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان سواء ذات الطبيعة العالمية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، أو ذات الطبيعة الإقليمية كالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 1981 والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان 1969، والاتفاقية الأوروبية لسنة 1987 الخاصة بمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللا إنسانية أو المهنية. 
والقضاء الدولي ممثلا على الخصوص في قضاء المحكمة الأوربية وقضاء محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان لعب دورا رياديا في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان على مستوى ضمانات المحاكمة العادلة.
ومن الطبيعي أن تتأثر القوانين الوطنية بما ورد في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بموضوع المحاكمة العادلة سواء على مستوى أسمى قانون في الدولة « الدستور» والذي يتضمن فضلا عن ديباجته- تنص صراحة بتشبث المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا- مجموعة من المقتضيات التي تؤسس لضمانات المحاكمة العادلة كتلك الواردة في الفصول 22 و23 من الدستور الجديد للمملكة ، أو على مستوى القوانين العادية بحيث تم التنصيص على ضمانات المحاكمة العادلة سواء في صلب القواعد الجنائية الموضوعية (مبدأ الشرعية الجنائية المنصوص عليه في المادة3 من قانون العقوبات) أو ضمن القواعد الجنائية الشكلية  (قرينة البراءة المنصوص عليها في المادة 1 من قانون المسطرة الجنائية).
وإذا كان هاجس توفير محاكمة عادلة حاضر على مستوى القضاء الدولي كما سبق بيانه، فإن القضاء المغربي سواء تعلق الأمر بقضاء الموضوع أو قضاء محكمة النقض يلعب دورا مهما بدوره في نقل مبادئ المحاكمة العادلة وضماناتها من حالة السكون إلى حالة الحركة، بل إن مرفق القضاء كجهاز يساهم بدوره في ضمان محاكمة عادلة من خلال احترام المبادئ التي يقوم عليها التنظيم القضائي المغربي، بدءا بمبدأ استقلال القضاء، ومرورا بمبدأ التقاضي على درجتين، وانتهاء بمبدأ المساواة أمام القضاء.
فما هي أبرز الاتفاقيات الدولية التي تناولت المحاكمة العادلة كأهم حق من حقوق الإنسان؟ وأي مساهمة للقضاء الدولي في هذا المجال ؟هذا ما سنجيب عليه من خلال المبحثين التاليين .
أي اهتمام للمشرع الدولي بضمانات المحاكمة العادلة ؟
تحتل المحاكمة العادلة حقا من حقوق الإنسان وغاية سامية  في بناء دولة القانون مكانة خاصة في الاتفاقيات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان.
والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالموضوع، يمكن تقسيمها من حيث مجال تطبيقها إلى اتفاقيات أو معاهدات ذات طبيعة عالمية، ومن ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، أو ذات طبيعة إقليمية مثل الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 1981 والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لسنة 1969 وبرتوكولا الاتفاقية لعامي 1988 و 1990.
وستناول هذا المبحث من خلال مطلبين اثنين نخصص أولهما للحديث عن المحاكمة العادلة حقا من حقوق الإنسان من خلال  ما تضمنته بعض الاتفاقيات الدولية ذات الطبيعة العالمية، على أن نخصص المطلب الثاني لضمانات المحاكمة العادلة تماما كما وردت في بعض الاتفاقيات الدولية ، لكن ذات الطبيعة الإقليمية ليس إلا .
  أولا: المحاكمة العادلة من خلال الاتفاقيات الدولية ذات الطبيعة العالمية.
الاتفاقيات الدولية إما أن تكون عالمية أو إقليمية كما سبق بيانه، والأولى لها مجال تطبيقي أوسع من الثانية من حيث المبدأ، و معظم الاتفاقيات الدولية هي صادرة عن هيأة الأمم المتحدة في أعقاب ما ارتكبت من فضاعات أثناء الحرب العالمية الثانية، بحيث سعى المنتظم الدولي للبحث عن طرق لتعزيز التعاون الدولي بما في ذلك التعاون الهادف لحماية حقوق الإنسان من ممارسة الدولة لنفوذها بشكل تعسفي.
أما من حيث موضوع الاتفاقيات، فمنها ما هو عام بحيث يتضمن مبادئ عامة كما هو وارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 والبرتوكولان الاختياريان لسنة 1966 و1989؛ومنها ما هو خاص كاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة لسنة 1974.
الفقرة الأولى: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948.
اعتمد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصدر رسميا بقرار الجمعية العامة في 10 دجنبر سنة 1948، وقد جاء في ديباجة الإعلان أن هذا الأخير يشكل المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب و كافة الأمم.
ويتضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 30 مادة، تتضمن مجموعة من المبادئ الملزمة قانونا بالنسبة إلى الدول بوصفها قانونا عرفيا أو مبادئ القانون أو كمبادئ أساسية تعتنقها الإنسانية.
والبعد الأخلاقي لحقوق الإنسان يكمن في أن هذه الحقوق هي ملك الفرد بوصفه كائنا إنسانيا لا يمكن حرمانه من جوهر هذه الحقوق تحت أي ذريعة كانت وهي على هذا الحال ملازمة للإنسان من حيث هو إنسان.
وعلى سبيل المقارنة ورد المبدأ في الفقرة الثانية من ديباجة الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان والتي جاء فيها « إن الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الإنسان ليست مستمدة من كونه رعية من رعايا دولة بعينها بل هي تستند إلى خاصيات الشخصية الإنسانية».
وعلى هذا تدين الدولة بحقوق الإنسان لجميع الأفراد الذين يخضعون لولايتها، وفي بعض الحالات أيضا لمجموعات من الأفراد.
ومن المواد الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و التي لها علاقة بالمحاكمة العادلة ما تناولته المواد 5-7- 9-8 -10-11-12 . 
الفقرة الثانية: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 والبرتوكولان الاختياريان لسنة 1966 و1989.
بموجب المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تتعهد الدول الأطراف باحترام و ضمان الحقوق المعترف بها في العهد لكل الأفراد المقيمين داخل أراضيها والذين يقعون تحت سلطاتها القضائية دون تمييز من أي نوع مثل العرق واللون والجنس واللغة والدين والرأي السياسي والأصل الاجتماعي.
وبذلك فإن العهد لا يقتصر على فرض احترام حقوق الإنسان، ولكن الدول الأعضاء تتعهد كذلك بضمان التمتع بكل هذه الحقوق بالنسبة إلى كل الأفراد الخاضعين لسلطاتها القضائية، وهو تعهد يرتبط مبدئيا بكل الحقوق التي تم توقيعها في العهد.
*قاض  ملحق بوزارة العدل والحريات 
دكتور في الحقوق

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا