Sunday, September 08, 2013

دراسة في القانون: الإجراءات الجنائية بين السرية والعلنية (1/3)

من المؤكد أن سرية الإجراءات الجنائية بشكل عام ترمي إلى تحقيق مجموعة أهداف تتعلق بالمصلحة العامة، منها على الخصوص ضمان فعالية ما تقوم به الضابطة القضائية من مهام وإجراءات وتحريات أثناء البحث التمهيدي لـ: “التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة والبحث عن مرتكبيها – المادة: 18 من ق.م.ج – وكذلك الأمر بالنسبة
 إلى المجهودات التي يبذلها «قاضي التحقيق» في ما يتعلق بتحديد هوية المتهم وجمع أدلة المتابعة... إذا كان الغرض من السرية -كما سبق- هو ضمان الفعالية لما ذكر، فإن العلنية بعكس ذلك – في مرحلتي البحث والتحقيق – يمكن أن تضر  - بل قد تضر فعلا – بالسير العادي للإجراءات في هاتين المرحلتين، وقد تفرغ مجمهودات المكلفين من أي معنى فالعلنية قد تساعد المشبوه فيه على الفرار من وجه العدالة أو قد يعمد – هذا المشتبه فيه – الى العبث بوسائل الإثبات التي قد تكون ضده إما بالتأثير على الشهود أو بإخفاء وتبديد أدلة الجريمة وأدواتها الخ...
ثم إن التناول العلني لقضايا الإجرام بشكل مثير قد يؤثر على عقيدة المحقق، ومبادئه وحتى على شهود القضية وعلى السير الطبيعي للمحاكم منذ البداية، الأمر الذي قد يشكل مسا خطيرا بمبدأ المحاكمة العادلة وبقرينة البراءة على الخصوص. لذلك تبدو السرية هنا في مصلحة المتهم نفسه إذ قد تضمن له وجود محقق محايد وقاض محايد كذلك.
أيضا يمكن لعلنية إجراءات البحث والتحقيق – أن تضر بسمعة المشتبه فيه والمتهم في محيطهما الخاص – الوسط العائلي والمهني – علاوة على الآثار النفسية السلبية لتلك العلنية، السرية في بعض التشريعات: ويستفاد من تاريخ فكرة «سرية إجراءات الجنائية» إنها لم تكن تلقي بالا لحقوق المتهم في الدفاع عن حقه: فلا يحق له حضور الإجراءات أو الاطلاع على أوراق القضية هو ودفاعه التي تظل مطبوعة بالسرية إلى أن يتم فصل مسطرة البحث والتحقيق عن مسطرة المحاكمة التي تطبعها العلنية،
وإذا كانت بعض التشريعات قد أخذت بهذا الاختيار الأخير – المغربي، المصري، الفرنسي – سرية إجراءات البحث والتحقيق وعلنية المحاكمة – فإن القانون الأمريكي على العكس من ذلك قد أجاز للمحقق عقد جلسات علنية للتحقيق كما هو الشأن بالنسبة إلى الرقابة على أعمال القضاة في الجلسات العمومية التي تكون عادة علنية، بل للمحقق في هذا النظام أن ينجز تقريرا حول الموضوع يوزعه على الصحافة، خاصة في قضايا الموظفين العموميين نظرا لأهميتها بالنسبة للرأي العام بشرط توفر أدلة كافية على المتابعة وذلك لوضع حد لما قد يتولد عن السرية من شائعات تختلف في إخراجها وانتقائيتها والتي من شأنها -بالتأكيد – الأضرار بحياة المشتبه فيه – الخاصة والعامة – كما يمكن لها أن تربك سير العدالة في بحثها عن حقيقة الأمور.
وربما لذلك شكل اختراق مبدأ سرية اجراءات البحث والتحقيق جنحة يعاقب عليها القانون، علاوة على المسؤولية التأديبية التي مكن أن تثار في مواجهة مأمور الضابطة القضائية والمحقق وكذا المحامي وغيرهم ممن سيأتي ذكرهم في حالة الإفشاء الثابت.
نطاق السرية: والسرية إما أن تكون في مواجهة الغير، وهي السرية الخارجية وإما أن تكون إزاء الأطراف وهي في هذه الحالة سرية داخلية لا يجود في إطارها الاطلاع على الإجراءات حتى بالنسبة إلى أطراف المسطرة.
وتنتهي السرية – بطبيعة الحال – بانتهاء البحث والتحقيق إما بقرار حفظ المسطرة أو بصدور قرارب عدم المتابعة لكن فقط في ما يتعلق بما ورد في المحاضر وله علاقة بموضوع البحث والتحقيق.
ونعتقد، أنه لا يمكن لا للوكيل العام ولا لغيره ولا لقاضي التحقيق أن يتحدث بشكل علني عن قضايا مازالت في طور البحث والتحقيق.
هذا، وقد لا تنتهي السرية بما ذكر من قرارات بل قد تبقى مستمرة خاصة متى تعلق الأمر بمعلومات لا علاقة لها بموضوع البحث والتحقيق ولا تدون بالمحاضر بطبيعة الحال، كما إذا اكتشف الضابط أو المحقق وجود علاقة غير شرعية بين المتشتبه فيه وبين زوجة شخص آخر.
إن مثل هذه المعلومات تبقى سرية ولو بعد انتهاء البحث والتحقيق بصدور قرار بحفظ القضية أو بعدم المتابعة أو حتى بإحالة القضية على المحكمة حيث يسود مبدأ العلنية بل إن هذه السرية تبقى مستمرة إلى ما لا نهاية.
وحتى في مصر التي يسمح نظامها للنائب العام بعقد ندوة صحافية في بعض القضايا بعد انتهاء التحقيق فيها، فإنه هذه الإباحة لا تخالف مبدأ السرية طالما أن عقد تلك الندوة لا يتم إلا بعد صدور قرار إحالة المتهمين على المحاكمة العلنية ما لم ينص القانون على استمرار الالتزام بالسرية ولو بعد تلك الاحالة.
وإذا كان قرار الحفظ وقرار عدم المتابعة لا يطالهما مبدأ السرية باعتبارهما من الأعمال القضائية بشكل عام فإن نتائج البحث والتحقيق وما تم كشفه في هاتين المرحلتين من وقائع وإمكان نسبة وقائع أخرى الى المشتبه فيهم يبقى مشمولا بالسرية بصدور القرارين المذكورين.
السرية إما داخلية أو خارجية:
إن السرية بشكل عام إما أن تكون داخلية تطول حق الأطراف أنفسهم وإما أن تكون خارجية لا يسمح فيها لأي كان بالاطلاع على الأوراق والمستندات أو بالحضور لإجراءات البحث.
مما لا شك فيه أن البحث والتحقيق الذي تقوم به الضابطة القضائي يبقى مشمولا بالسرية الى حين احالة القضية على المحكمة في جلستها العلنية،
ونرى أن هذه السرية في القانون المغربي هي سرية داخلية أي أن الاطلاع على محاضر البحث قبل عرض القضية على المحكمة غير مسموح به للمشتبه فيه  وكذلك الأمر بالنسبة لمحاميه مادام أنه غير مسموح به للمشتبه فيه وكذلك الأمر بالنسبة لمحاميه مادام أنه غير مسموح له بالحضور الى جانب موكله في تلك المرحلة – البحث التمهيدي_.
إن الاتصال بين المحامي وموكله الموضوع تحت الحراسة النظرية ممكن أن يتم بترخيص من النيابة العامة ابتداء من الساعة الأولى من فترة تحديد الحراسة النظرية لمدة لا تتجاوز ثلاثين دقيقة تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية في ظروف تكفل بسرية المقابلة، وعليه على المحامي إخبار أي كان بما راج خلال الاتصال بموكله قبل انقضاء مدة الحراسة النظرية حسبما تنص عليه المادة: 80 من م. ج – الباب الثاني تحت عنوان البحث التمهيدي من القسم الثاني تحت عنوان: «اجراءات البحث»، ويتأكد هذا المقتضى في القانون المغربي من خلال مقتضيات المادة: 15 التي تنص على ما يلي: “تكون المسطرة التي تجرى أثناء البحث والتحقيق سرية، كل شخص يساهم في اجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي»، ذلك أن هذا النص لا يسمح للمشتبه فيه بالاطلاع على محاضر البحث باستثناء تصريحاته، كما لا يسمح لمحاميه بحضور اجراءات البحث التمهيدي إلا في حدود ما تنص عليه المادتان: 80 و66 من ق.م.ج.

بقلم:محمد بولمان, محام بهيأة مراكش
جريدة الصباح الخميس, 29 أغسطس 2013

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا