Sunday, October 13, 2013

دراسة في القانون: المحاماة وميثاق إصلاح منظومة العدالة (الحلقة الأولى)

كثر الحديث عن ميثاق إصلاح منظومة العدالة وحظ مهنة المحاماة منه، وتباينت آراء أهل الشأن حول الموضوع، وباستثناء
مهندس الميثاق ونقيب سابق بهيأة المحامين بالجديدة وبعض المنتمين إلى حزب "المصباح"، فإن الكل أجمع على
أن الميثاق وما تضمنه من توصيات لم تقدم للمهنة إلا الفتات مقابل سيل من التراجعات.

اختزلت عقلية مهندس الميثاق إصلاح المحاماة خلافا لباقي مكونات العدالة في مقاربة تخليقية، مع إغفال أهمية الربط بين التخليق كهدف وغاية مع باقي المداخل الأخرى لإصلاح وتم تغييب تهم رؤى الإصلاح والتي تنبني على المقاربة التأهيلية والتطويرية مهنة المحاماة كباقي مكونات منظومة العدالة وتم تسجيل تراجعات خطيرة عن ثوابت ومكتسبات لطالما ناضل من أجلها المحامون.
فبعد أن جعل الميثاق من استقلال السلطة القضائية هدفا رئيسيا أولا له، جعل من توطيد خضوع مهنة المحاماة والتطاول على استقلالها هدفا رئيسيا له كذلك كما سيأتي بيانه.
في الجزء الثاني المعنون بالرؤيا العامة لإصلاح منظومة العدالة، فإن أعضاء الهيأة العليا للحوار الوطني يقترحون على وجه الخصوص التوجهات الجوهرية التالية :
" مراجعة التشريعات المنظمة للمهن القضائية والقانونية في اتجاه تعزيز استقلالها، وكذا توطيد خضوعها، ولوجا وتنظيما وتيسيرا لمبادئ المنافسة والمسؤولية والمساواة أمام القانون، بما يخدم المصلحة العامة".
إن جملة (توطيد خضوعها) تحمل الكثير وتبين ما يضمره واضعو الميثاق للمهن القضائية والقانونية خاصة مهنة المحاماة، وخضوع المهنة ولوجا لمبادئ المنافسة يحمل بصمة عبد العالي بنعمور، رئيس مجلس المنافسة وتقريره حول المهنة والذي عجز عن طرحه ونشره، وهو المنظور الذي اقترح فيه فتح ولوج مهنة المحاماة على مصراعيه أمام من هب ودب، بغض النظر عن سنه، وطبيعة تكوينه، لإغراق المهنة مع ما سينتج عن ذلك من مشاكل جمة تناقض الإصلاح الذي تم تعينه عضوا في هيأته العليا.
وفي الوقت الذي أوصى المؤتمر العام الثامن والعشرون لجمعية هيآت المحامين بالمغرب بالتأكيد على ضرورة تقنين احتكار مهنة الدفاع، وتمثيل الأطراف أمام المحاكم، مع دعوة مكتب الجمعية ووزارة العدل والحريات للقيام بكل الإجراءات الضرورية لمراقبة وضبط ممارسات مكاتب الاستشارة وشركات التحصيل وإعمال المقتضيـــات القانونية بشأنها، وفي الوقت الذي أوصت المذكرة المقدمة من قبل  جمعية هيآت المحامين بالمغرب في إطار إصلاح منظومة العدالة، بتوسيع دائرة احتكار المهنة بما يساعد المحامي في الخروج من المحاكم إلى فضاءات الأعمال والخدمات وإلزام الدولة والإدارات العمومية وشبه العمومية والشركات بتوفرها على محام مستشار، نجد أن الميثاق لم يستجب لأي من هذه المطالب، بل على العكس من ذلك سعى إلى تقليص مجالات عمل وتدخل المحامي من خلال ما يلي :
- التنصيص في التوصية 105 على توسيع اختصاصات قضاء القرب بالرفع من اختصاصه القيمي وتمكينه من البت في بعض الجنح، وبداهة فإن كل توسيع لاختصاص قاضي القرب يقابله تقليص لمجال احتكار المهنة لأن المسطرة أمام أقسام قضاء القرب شفوية ومجانية بموجب المادة السادسة من القانون رقم 42.10 المنظم لقضاء القرب، كما أن الدعوى ترفع إلى قاضي القرب إما بمقال مكتوب أو بتصريح شفوي يتلقاه كاتب الضبط ويدونه في محضر وفق نموذج معد لهذه الغاية ويوقعه مع الطالب عملا بالمادة 11 من القانون المذكور، وبالتالي فهذه التوصية عند إقرارها ستفوت على معشر المحاميات والمحامين فرصة تمثيل الأطراف في سيل من القضايا والنزاعات وفي المقابل ستستفيد منه الشركات والمؤسسات الكبرى.
-إفراد الميثاق حيزا مهما لتشجيع اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل النزاعات وأوصى بتشجيع اللجوء إلى الوساطة والصلح والتحكيم، لحل المنازعات وجعل الوساطة إلزامية في بعض القضايا وتعزيز دور القضاء بشأن تشجيع اللجوء إلى الوساطة، وأسهب في تفصيل الإجراءات الكفيلة بتفعيل هذه التوصيات، إذ نص على وضع مقتضيات قانونية كفيلة بتشجيع اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل المنازعات، وتنظيم ندوات للتكوين في مجالات الوسائل البديلة لحل النزاعات، وتنظيم لقاءات ومنتديات لتحسيس الفاعلين الاقتصاديين، سيما غرف الصناعة والتجارة والمقاولات الصغرى والمتوسطة بأهمية اعتماد بدائل فض المنازعات، وأوصى بدعم مراكز الوساطة والتحكيم، ومراجعة قانون المسطرة المدنية بشأن أحكام الوساطة الاتفاقية، وذلك بما يفرض إلزامية الوساطة قبل عرض النزاع على القضاء.
-أوصى الميثاق بمأسسة الوساطة الأسرية بقضاء الأسرة، مؤكدا على ضرورة تفعيل آليات الصلح والوساطة الأسرية في المنازعات المرتبطة بالأسرة وتوفير الفضاءات اللازمة لإجراء الصلح والوساطة بأقسام قضاء الأسرة وتكوين أطر المساعدة الاجتماعية على مهارات الصلح، هذا غيض من فيض ولا أدري ما الذي بقي لكم معشر المحاميات والمحامين عندما يسلب منكم من القضايا ما هو من اختصاص قاضي القرب، وعندما يبقى لكم ما استعصى على الوسائل البديلة لحل النزاعات في مادتي الأسرة والأعمال ؟؟؟.
- مهندس الميثاق أشار في ديباجته إلى أن أعضاء الهيأة لاحظوا وجود ضعف في الوضعية المادية للعديد من العاملين في الحقل القضائي وغياب وسائل حقيقية لتحفيزهم وتم اقتراح آليات لتحسين وضعية العاملين في الحقل المذكور إلا المنتسبين إلى مهنــــة المحاماة، رغم أن المادة الأولى من القانون المنظم لها تنص على أن المحاماة تساعد القضاء وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء ويكون بذلك مهندس الميثاق أدار ظهره لمطالب المحاميات والمحامين بخصوص احتكار المهنة وتوسيع مجال الاحتكار المذكور، خاصة أن ذلك هو المدخل الحقيقي لإصلاح مهنة المحاماة وتحسين وضعية المنتسبين إليها غير أن تأهيل مهنة المحاماة وتحسين وضعية المنتسبين إليها ليست من اهتمامات مهندس الميثاق.

بقلم:  الأستاذ محمد صباري,  هيأة المحامين بمراكش

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا