Wednesday, December 25, 2013

دراسة في القانون: دستورية الحكومة الحالية (1/2)


بعد انتظار طويل خرجت النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران إلى الوجود بعد استقبال ملكي يوم الخميس 10 أكتوبر 2013، وإصدار الظهير الشريف رقم 105-13-1 في 8 ذي الحجة 1434 ( 14 أكتوبر 2013) ، بتغيير الظهير الشريف رقم 01-12-1 الصادر في 9 صفر 1433 ( 3 يناير 2012) بتعيين أعضاء الحكومة ( جريدة رسمية عدد 6195). ولم تترك المعارضة البرلمانية فرصة افتتاح الدورة الثانية من السنة التشريعية الحالية تمر، دون أن تحاول خلق وإثارة الحدث السياسي واهتمام الصحافة
 والمحللين الدستوريين، وذلك عن طريق إشهار ورقة «عدم دستورية» هذه الحكومة.

يتذكر الجميع أن «عدم الدستورية .....» من المطايا التي اعتادت المعارضة البرلمانية أن تركبها بدءا بالجلسة الساخنة التي عاشها مجلس النواب يوم انتخاب كريم غلاب رئيسا للغرفة الأولى، ومرورا بجلسات الفقرة الأخيرة من الفصل 100 من الدستور وكيفية توزيع الوقت المخصص لها. ولما أعادت المعارضة الكرة الثلاثاء 15 أكتوبر2013 خلال جلسة  الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، وأثارت عدم دستورية الحكومة لعدم تنصيبها وفق المسطرة المنصوص عليها في الفصل 88 من الدستور، قبل أن تشارك بصفة طبيعية في وضع ومناقشة الأسئلة الموجهة إلى أعضاء الحكومة، اعتبر البعض أن الأمر مجرد مناورة سياسية جديدة تسعى من خلالها المعارضة إلى التذكير بوجودها، وأنه سيقف عند هذا الحد. 
إلا أن المعارضة بالغرفة الثانية التي لا تملك سلطة تنصيب الحكومة، اتخذت موقفا أكثر تشددا بانسحاب فرقها من حصة الأسئلة الشفوية لليوم نفسه.
ولم يشفع لهذه الحكومة ترؤس الملك لمجلس وزاري، مباشرة بعد خرجة المعارضة بالغرفتين. 
فالملك هو الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة، والساهر على احترام الدستور، وهو بهذه الصفة في حياد تام تجاه الفاعلين السياسيين، وترؤسه لمجلس وزاري يتألف من رئيس الحكومة والوزراء، فيه دلالة دستورية قاطعة إعمالا للفصل 42 من الدستور.  فقد شاهد الجميع كيف أن المعارضة في الغرفتين، المجتمعتين الأربعاء 23 أكتوبر بمناسبة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2014، قد أثارت مجددا الانتباه بشهر أعضائها ورقة  للتذكير بالفصل 88 من الدستور قبل أن تواصل الاستماع إلى عرض وزير المالية، وتلتحق في ما بعد بالقاعة المغربية لتتبع عرض الميزانية من لدن الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، وكأن شيئا لم يكن.
إن موقف المعارضة من الحكومة، وما تولد عنه من نقاش، يثير الاهتمام السياسي والقانوني، ويقتضي المعالجة المسؤولة والصريحة من المنظورين معا.
والمساءلة السياسية موجهة إلى كل مكونات الأغلبية الجديدة، وبالخصوص حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يرى البعض أنه في موقف غير مريح تجاه برنامج حكومي سبق له أن صوت ضده، وأصبح مطالبا بالدفاع عنه بعد دخوله إلى الحكومة. وبالتالي فإن الرد السياسي يجب في نظرنا أن تتولاه قيادات الأغلبية بخطاب موحد لا يترك المجال لأي لبس أو تباين في المواقف. وإن كان الحزب الوحيد الذي عبر عن موقف رسمي من تكوين الحكومة هو التقدم والاشتراكية الذي أصدر ديوانه السياسي المنعقد الاثنين 21 أكتوبر 2013 بلاغا اعتبر فيه أنه ثم احترام الدستور في ما يخص موضوع استكمال الشكليات المطلوبة لتنصيب الحكومة، ودعا إلى تقديم تصريح حكومي أمام البرلمان، يعقبه نقاش ولا يتلوه أي تصويت، فإن قيادات الأغلبية مطالبة بالاجتماع العاجل للرد بلسان واحد على موقف المعارضة من  « شرعية الحكومة، الدستورية».
وفي انتظار أن يتم ذلك خلال الأيام القليلة المقبلة، فإن المناقشة الدستورية مفتوحة أمام الجميع، وهذه بادرة صحية، بغض النظر عن النوايا الدفينة، ستساهم لا محالة في التنزيل الديمقراطي للدستور الذي يقتضي مشاركة الجميع في ابتكار آليات هذا التنزيل. 
وتهدف هذه الورقة، المهيكلة حول أربعة محاور،  إلى تقديم  وجهة نظر شخصية من الميكانيزمات التي وضعها الدستور لمعالجة الموضوع، ونتمنى أن يتسع هذا النقاش القانوني ويشمل كل الآراء المساندة وغير المساندة لموقف المعارضة من الحكومة.
موقع رئيس الحكومة الدستوري
أول ملاحظة تثير الانتباه، أن جل المحللين تخطوا بسهولة الموقع الدستوري المتميز لرئيس الحكومة والذي من دون استحضاره لا يمكن الإلمام بكل معطيات الموضوع.
 فالفصل 47 من الدستور يستحق التمعن والتركيز، لأنه المؤسس  لموقع رئيس الحكومة، إذ بعد إعلان نتائج انتخابات أعضاء مجلس النواب، يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر تلك الانتخابات.
فالدستور إذن، يفرض تولية رئاسة الحكومة للحزب الذي يحتل الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية.
وبعد تعيين رئيس الحكومة، لا يمكن إعفاؤه شخصيا من مهامه، بل إن حالات الإعفاء تشمل الحكومة ككل وهي كالتالي:
- إذا لم تصوت الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب لصالح البرنامج الحكومي الذي يقدمه رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، حسب مقتضيات الفصل 88 من الدستور، الذي سنعود إليه بالتفصيل، وفي هذه الحالة لا تعتبر الحكومة منصبة.
- إذا طلب رئيس الحكومة الثقة من مجلس النواب، ورفضها الأخير بالأغلبية المطلقة لأعضائه. ويؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية حسب مقتضيات الفصل 103 من الدستور.
- معارضة مجلس النواب في أن تواصل الحكومة تحمل مسؤوليتها بالتصويت على ملتمس للرقابة، يوقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وتصوت عليه الأغلبية المطلقة لأعضائه ( الفصل 105 من الدستور). هذا في ما يخص سلطة مجلس النواب في الإطاحة بالحكومة، والتي تقابلها الإمكانية التي يخولها الفصل 104 من الدستور لرئيس الحكومة بحل هذا المجلس، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس ورئيس المحكمة الدستورية، ولا يتم الحل إلا بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري، مما يفيد أن سلطة الحل المخولة لرئيس الحكومة ليست مطلقة في هذا الباب، بل هي مقيدة بالحصول على موافقة المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، والذي يتداول في الموضوع حسب ما يقتضيه الفصل 49 من الدستور.
أما إعفاء الملك لرئيس الحكومة، فإنه غير منصوص عليه في الدستور، ما عدا في حالتين نكتشفهما في الفصلين 47 و 59 وتؤديان معا إلى إعفاء الحكومة بكاملها:
- حالة الفصل 49 التي تقتضي أن يقدم رئيس الحكومة استقالة ويؤدي ذلك إلى إعفاء الحكومة بكاملها. 
- أما حالة الفصل 59 فإنها تندرج في إطار حالة الاستثناء التي يمكن للملك أن يعلنهـــــــا بظهير، إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من الأحداث  ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، إذ في  كلتا الحالتين يُخَوَّلُ الملك صلاحيات اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع في أقرب الآجال إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية. 
ولا يمكن للملك أن يمارس صلاحيات الفصل 59 لمواجهة ظروف استثنائية جدا، إلا بسلطة مطلقة للتقدير، كأن يعين رئيسا للحكومة من خارج الحزب المتصدر للانتخابات التشريعية، إلا أن إعفاء رئيس الحكومة يؤدي حتى في هذه الحالة إلى إعفاء الحكومة بكاملها احتراما لروح الدستور.
وخلاصة القول إن الحكومة مرتبطة وجودا وعدما بوجود رئيسها.

بقلم:  ذ/ محمد بن عبد الصادق,  محام برلماني عن حزب العدالة والتنمية

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا