Wednesday, February 19, 2014

احتجاج القضاة صراع مجاني ضد مقومات الدولة

أثارت الوقفة الاحتجاجية لقضاة النادي، وهم يرتدون البذل، حفيظة مهنيين وانتقاداتهم. وفي هذا الإطار توصلت «الصباح» بمداخلة مطولة للأستاذ نور الدين الرياحي،  المحامي العام لدى محكمة النقض، وعضو المكتب المركزي للودادية الحسنية للقضاة، نورد أهم ما تضمنته:  ينص الدستور على أنه «للقضاة الحق في حرية التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات المهنية» و»يمكن للقضاة الانخراط في جمعيات، أو إنشاء جمعيات مهنية مع احترام واجبات التجرد  واستقلال القضاء، وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون»، كما يشير أيضا إلى أنه «يمنع على القضاة الانخراط في الأحزاب والمنظمات النقابية». أمام هذه المبادئ الأساسية، تطرح أسئلة حول مدى احترام واجبات التحفظ والأخلاقيات المهنية والتجرد واستقلال القضاء وغيرها، في وقفة 8 فبراير، التي أثثت بوجود زعامات سياسية راديكالية معارضة، منتمية إلى أحزاب معروفة بمواقفها؟ أين كل ذلك وقد شوهد ضمن الوقفة غير القانونية، ممثلو نقابات مهنية سياسية إلى جانب المغرر بهم من القضاة، الذين لم يتجاوز عددهم 150 قاضيا، من أصل حوالي 4000 قاض المنتمين إلى الودادية الحسنية للقضاة؟ لا تتفاجأ أيها القارئ، لأن محاضر انتخابات هياكل الودادية مازالت تحمل توقيعات الحاضرين في الانتخابات المنظمة لها، وهؤلاء الذين لم يكتب لهم النجاح في الانتخابات ورسبوا رسوبا محليا ومركزيا لم يؤمنوا بالديمقراطية نظرا لقلة عددهم من جهة، ولحداثة عهدهم بالقضاء من جهة أخرى، وهاهم اليوم يجنون تبعات ذلك، بعدما تخلى عنهم المتعاطفون معهم يوم 8 فبراير، فكانت نكستهم ظاهرة للعيان. فهل يمكن تصور الإيمان ببعض الدستور، والكفر ببعض مقتضياته؟  فإذا كانت هناك ديمقراطية حقيقية، ومادامت جمعيتهم غير المعترف بها لحد الآن إلا من قبلهم، تشكل قوة عددية، فلماذا لم يكن في استطاعتهم إثارة جمع عام قانوني للودادية التي ينتمون إليها، ويطالبون بانتخابات مبكرة، ويحصدون مقاعد التمثيلية المحلية والمركزية؟  إن عجزهم عن ذلك هو الذي دفعهم إلى تأسيس جمعية أرادت لنفسها أن تلبس جبة أكبر منها، وأن تدخل في صراع مجاني ضد مقومات الدولة، وكأن القضاة ليسوا جزءا منها، وكأن السلطة القضائية ملائكية والسلط الأخرى بشرية، وكأن كلامها قرآن منزل وكلام غيرها نثر مبتذل، ما هكذا يدافع عن القضاة؟  أين هي الأعراف؟ أين هي التقاليد القضائية؟ أين هي حرمة البذلة؟ أين هي حرمة الجلسات؟ أين هي هيبة القضاء؟  كيف تريدون من مواطن مغربي أن يثق في قضاة يتجاهلون عن وعي أو غيره، بصفة مقصودة أو جهل متجذر، يتعنتون في الدفاع عن ماذا؟ عن الوضعية المادية، التي تمت تلبيتها في ظروف اقتصادية لا يعلم إلا الله واقعها في ظل أزمة عالمية وإقليمية جعلت رئيسة مثل ميركل في أكبر دولة صناعية أوربية تقول لقضاتها في ألمانيا عندما أرادوا الزيادة في هذه الظرفية إسوة بأساتذة الجامعة والبحث العلمي، « ألا تستحيون من المطالبة مع من علموكم؟». ألا تستحيي هذه الجمعية من الوقفة بعدما كادت أن تحرم بتعنتها مجموعة من القضاة، الذين لا تمثل منهم أكثر من 5 في المائة على أكبر تقدير عندما اعتبرت أن 5000 درهم شهريا مجرد فتات؟ ألم يقل المثل المغربي «عاش من عرف قدره وجالس مثله»؟ ألم يطلع قياديوها على منظومة الأجور بالمغرب؟ ألم يطلعوا على حملة الشهادات مثلهم، وعلى أجورهم؟ ألم يستفزوا معلقي»فيسبوك» الذين يكتبون في صفحاته، فليقرؤوا ماذا قيل في حقهم؟ ألم يستبلدوا ذكاء دافعي الضرائب؟ ألم يعلموا أن وزيرهم ربط منصبه بالزيادة في أجورهم؟ ألم يعلموا أن من لا يشكر البشر لا يشكر الله؟  أليس القضاة جزءا من الشعب المغربي الذي يؤمن بتضحيات الأجيال في سبيل عزة الوطن، وخدمة المواطن، واستتباب الأمن القضائي؟ ألم يعلموا أن الاستقواء بالأجانب، ضد الوطن، وبالقنوات الإعلامية المضللة، هو نوع من الدعاية السلبية ضد ما وصلت إليه بلادنا من استقرار ديمقراطي، لم تنعم به لحد الآن أي دولة من دول ما سمي الربيع العربي؟ أليست هذه الوقفة أو غيرها، دعاية باطلة وسلبية ضد المركز المتقدم الذي منحنا إياه الاتحاد الأوربي والمنظمات الإقليمية، دون غيرنا؟ ومن قبل من هذه الدعاية، من قبل الذين استأمنتهم الدولة عن حقوقها، وحقوق مواطنيها، واستثماراتهم؟ هذه الوقفة، تحدت قرارات السلطة التنفيذية، وقرارات وزير العدل ونائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء، الذي يمارس سلطاته القانونية بمقتضى دستور 2011 الذي ينص الفصل 178 منه على: «يستمر المجلس الأعلى للقضاء في ممارسة صلاحياته إلى أن يتم تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، المنصوص عليه في هذا الدستور» ؟ أليس هذا التحدي في حد ذاته إيمانا ببعض الدستور، وكفرا ببعضه؟ ألم تكن الندوة الصحافية لزملائهم القضاة لثنيهم عن تمريغ قداسة بذلتهم، كافية لإقناعهم بأن ما يمكن أن يترتب عن تصرفاتهم اللامسؤولة، سيعرضهم للعقوبات المنصوص عليها قانونا في ظل الدستور الذي يحتمون به؟ أليس من بين هؤلاء القياديين الجدد، من حكماء، يلقنونهم أبجديات العمل الجمعوي القضائي، الذي ليس هو العمل النقابي الممنوع عليهم دستورا؟ أليس من بينهم من يذكرهم بالمذابح القضائية التي شهدتها دول في فترات معينة كرد فعل ذهب ضحيته قضاة أبرياء بسبب مواقف قياديوهم الخارقة للقانون، ومع ذلك، استمرت السلطة القضائية؟ أليس من بينهم حكماء يذكرونهم بما تعرض له قضاة أكبر منهم تجربة وتاريخا في النضال، من عقوبات نتيجة خرقهم للقانون، بعدما تطاولوا على المؤسسات، وعندما تعرضوا للعقوبات التأديبية انفض من حولهم الذين غرروا بهم من سياسيين، وصحافيين، وحتى القضاة أنفسهم؟ أليس من بينهم حكماء يذكرونهم بأنه رغم مقتضيات الفصل 111 من الدستور التي تقول: «يمكن للقضاة الانخراط في جمعيات، أو إنشاء جمعيات مهنية مع احترام واجبات التجرد واستقلال القضاء، وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون»؟ ونسطر على الشروط المنصوص عليها في القانون، أين هي شرعية وقانونية وجود جمعية بعد دستور 2011، ألا يذكرونهم أنه لا يمكن تصور وجود أي جمعية في غياب النصوص التنظيمية للفصل 111، وحتى مشاركتهم في الحراك القانوني، إما يجب أن يكون عن طريق الجمعية الوحيدة التي هي الودادية الحسنية للقضاة التي يزيد عمرها عن نصف قرن ومؤسسة طبقا للخطابات الملكية السامية، خاصة الخطاب الملكي السامي والتاريخي لفاتح مارس 2002، والظهير الشريف المؤرخ في 3 جمادى الأول 1378 ( 15 نونبر 1958) كما وقع تغييره وتتميمه، والتي تزاول حقها في التمثيلية طبقا للقانون بعدما، انتخبت هياكلها طبقا للقانون، وبمشاركة جميع قضاة المملكة بمن فيهم قضاة النادي الذي يدعون؟ وإلا اعتبرت مشاركتهم شخصية كقضاة ما كانوا ينعمون بحرية التعبير لولا نضال قضاة الودادية.. أليس من بينهم حكماء يذكرونهم أن إنشاء الجمعيات عن طريق «فايسبوك» هو إنشاء افتراضي، وشتان ما بين الواقع والخيال؟ أليس من بينهم من يذكرهم بأن التطاول على مؤسسات الدولة ليس من أخلاقيات القضاة، وبأن الاستقواء بالخارج عن طريق تزييف الحقائق والتمثيليات هو غدر للوطن؟  أليس من بينهم من يذكرهم بأن الودادية الحسنية للقضاة، في إطار تشجيع القضاة على حرية التعبير، فتحت أبوابها، وعدلت قوانينها لاحتوائهم، ونادت عليهم عن طريق صفحات الجرائد، والدعوات الرسمية، وعن طريق القنوات التلفزيونية، وصفحات «فايسبوك» للالتحاق بالودادية والنشاط داخلها، والامتثال لصناديق الاقتراع، وقوبلت دعواتها الحبية طيلة سنتين، بالجحود والتطاول، والتعنت، بل بلغ الاستهتار حد سب وقذف هياكلها، الذين تريثوا في مقاضاة زملاء لهم؟ أليس من بينهم من يذكرهم بأن الخروقات القانونية التي دأب عليها ناديهم، عصفت بقضاة قليلي التجربة إلى المتابعات القضائية والعقوبات التأديبية، وهم في بداية حياتهم القضائية، سوف تبقى وصمة عار في ملفهم القضائي تتبعهم مدى حياتهم المهنية؟ أي جمعية هذه التي تقذف بأبنائها في غياهب الخروقات القانونية؟ أي جمعية هذه التي تتطاول على الاختصاصات الملكية الدستورية، دون سند شرعي أو قانوني حتى لوجودها؟  كفى من المس باستقلال القضاء، فالقضاة الحقيقيون الذين عركتهم التجربة، وحنكتهم المواقف التاريخية، وصقلتهم المعارك النضالية، لن يتركوا الفرصة لأي كان، وإن كان منهم، لأن يعبث بمؤسستهم، التي شيدها أسلافهم، ورعاها ملوكهم العظام، حرصا على الأمن القضائي للمملكة، في احترام تام للقانون ومؤسسات الدولة، التي هي قوام النظام الديمقراطي. عن الودادية الحسنية للقضاة

بقلم: الأستاذ نور الدين الرياحي

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا