Friday, February 06, 2015

حيازة المكري المحل المهجور أو المغلق في القانون الجديد (1/3)

من المستجدات اللافتة في القانون رقم 12/67 المنظم لعقود أكرية المحلات السكنية والمهنية الصادر بتاريخ 28/11/2013 والذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من مارس 2014 ، يأتي على رأسها تنصيصه الصريح على جواز استرداد المكري للمحل المكترى متى هجره المكتري وصار محلا مغلقا لمدة ستة أشهر على الأقل وفق ما نظمته الفصول الجديدة الواردة في الباب التاسع الفرع الأول وتحديدا الفصول من 58-59-60 إلى 67 منه.
فإلى غاية صدور هذا القانون ظلت المسطرة موضوع شد وجذب بين رأي قضائي أخذ بها
 وبين آخر رفضها أو سرعان ما هجرها، ولكل رأي مؤيداته المستساغة والمعقولة أيضا بالنظر إلى أن هذه المسطرة هي من إبداع قضائي وتقف في نقطة فارقة بين مصلحتين مفترقتين:
- مصلحة المكري صاحب الملك - مصلحة المكتري صاحب الانتفاع بالملك.

تشكلت ثغرات تخللت تطبيق المسطرة في إطار القواعد العامة وفي غياب النص الصريح منذ عقود خلت، فجاء القانون الجديد منتصرا للرأي القضائي الذي لم يتوان في اعتمادها كلما كانت الدواعي إليها مشروعة وقائمة لما تتسم بها من سرعة وفعالية واحترافية.
ونحن نرى ان تنظيم المسطرة بشكل صريح في القانون الجديد املاه مبدآن هما:
أ- مبدأ إيجاد العدالة في العلاقة الكرائية:
فإذا كان المعتاد هو أن يتدخل المشرع كلما دعت الصيرورة الاجتماعية والإكراهات الاقتصادية لتعديل قانون الكراء تحت هاجس حماية الأمن السكني للمواطن وعدم تركه فريسة لجشع الملاك وسماسرة العقار فإنه وفي الوقت نفسه لا ينبغي ترك المكري عرضة لتعسفات بعض المكترين المخلة بالتزاماتهم التعاقدية، سيما الإخلال بواجب أداء الكراء والحفاظ على المحل المكترى من الإهمال والضياع.
فمبدأ العدالة إذن يقتضي جمع مصلحتي الطرفين في إطار حمائي متوازن، وضمن هذا الإطار تبرز أهمية مسطرة استرجاع المحل المغلق التي قد يسلكها المكري في مواجهة المكتري والمهمل والمتعسف في استعمال الحق الناشئ له عن عقد الكراء.
ب - مبدأ حق الملكية هو الأصل:
فالمسطرة الموضوعة تلامس هذا المبدأ وتكرس قدسية حق الملكية باعتباره الأصل المفروض حمايته وعدم الإضرار به تحت أي غطاء تعاقدي مختل، فالاستثمار العقاري ينبغي ان يهيأ له مناخ قانوني سليم ومتوازن قائم على قاعدة أصولية هي عدم التعسف في استعمال الحق بما يؤدي إلى المساس بحق الملك.
وهو المقتضى الذي يستنتج أيضا من خلال مقتضيات الفصل 14 من قانون الكراء وكذا الفصل 663 من (ق.ل.ع) كقانون عام، وهي المقتضيات التي تلزم المكتري إضافة إلى دفع واجب الكراء بانتظام بالحفاظ أيضا على الشيء المكترى أو استعماله بدون إفراط أو إساءة أو خارج ما يقتضيه نطاق العقد والعرف.
من هذا المنطلق، نحن نرى أن فرض المشرع في قانون الكراء الجديد لهذه المسطرة هو موقف صائب وصارم ويتناغم مع المبدأين المذكورين، لكن السؤال الذي يطفو إلى الواجهة من جديد هو إلى أي حد توفق المشرع عند سنه لهذا المقتضى الجديد في اختيار الصياغات أو العبارات الهادفة إلى تبني الوضوح والتبسيط بما يشجع الأطراف على سلوك المسطرة؟
هذا ما سنحكم عليه في معرض تفكيكنا وتحليلنا للنصوص الجديدة المنظمة لها وذلك من خلال التطرق في البحث إلى محاور ثلاثة:
أولا: تحديد مفهوم المحل المهجور أو المغلق:
في محاولة منه لضبط مفهوم المحل المهجور أو المغلق أورد المشرع في الفصل 57 من قانون الكراء حالات حصرية متى تحققت اعتبر المحل المكترى مهجورا وهذه الحالات هي:
أ- إخلاء المكتري المحل من جميع منقولاته وأغراضه كليا أو جزئيا.
ب - غياب المكتري عن المحل وعدم تفقده من طرفه شخصيا أو من طرف من يمثله أو من يقوم مقامه.
ج - وفاة المكتري أو فقدانه للأهلية القانونية وعدم ظهور أي شخص من الأشخاص المستفيدين من العقد وفق نص المادة 54 أي الأم الحاضنة للأطفال إن كان هذا هو المقصود فعلا من طرف المشرع، أم أن الأمر قد شابه خطأ ما في الإحالة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الصور يلزم للأخذ بها في اعتبار محل الكراء مهجورا قيام شرطين اثنين هما:
- الشرط الأول: أن يظل المحل مغلقا لمدة لا تقل عن ستة 6 أشهر كاملة.
- الشرط الثاني: أن يخل المكتري بالتزامه العقدي تجاه المكري.
ففي غياب أحد الشرطين تسقط هذه الحالات جميعها ويغيب المسوغ القانوني لسلوك المسطرة، لكن إذا كان الشرط الأول لا يثير أي لبس ويسهل التدليل عليه وإثباته، فإن الشرط الثاني يطرح استفسارين اثنين الأول من حيث تحديد المقصود بإخلال المكتري بالتزامه العقدي ما دام أن المكتري تقع عليه التزامات متنوعة تجاه المكري لا التزام واحد، فهل كان المشرع يعني في النص جميعها أم أنه كان يقصد فقط الالتزام الرئيسي المتمثل في أداء واجب الكراء على النحو المنصوص عليه في الفصل 12، وهذا هو الطرح الصائب بدليل أن المادة 67 حينما نصت على إمكانية استرجاع المكتري للمحل من جديد من يد المكري اشترطت لقبول طلبه أن يثبت انه أدى ما كان بذمته من مبالغ كرائية.
وعليه فإن القول بأكثر من ذلك أي جميع الالتزامات وفق ما ورد النص عليه في الفصلين 13 و14 من قانون الكراء، فإن المشرع يكون قد وضع شرطا يكاد يكون تعجيزيا سيجمد المسطرة ويفرغها من الأساس الذي قامت عليه، وهو الحماية السريعة للمكري من تعسفات المكتري التي من شأنها التأثير على درجة رفاهية المحل المكترى هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنه يستحيل تحميل المقتضى المذكور على أن القصد منه هو جميع الالتزامات المنصوص عليها بما في ذلك ما ورد في المادتين 13 و14، ما دام أن هذه الالتزامات جميعها مرتبطة باستغلال المحل وما قد يترتب عن هذا الاستغلال من ضرر يلزم تعويضه وهي مما لا يمكن إجبار المكري على إثباتها قبل سلوك مسطرة استرجاع حيازة المحل المهجور.
لذا نؤكد مرة أخرى على أن الإخلال المقصود هو توقف المكتري عن الوفاء بأجرة الكراء المستحقة عليه، وهو الموقف الذي كان عليه العمل قضاء قبل إيراد المسطرة في القانون الجديد.
وهذا ما يدعو إلى القول بأن الصياغة في المادة 58 لم تكن دقيقة مما يفرض مراجعتها بالتنصيص بكل بساطة على المقصود بالإخلال المنسوب إلى المكتري هاجر المحل وذلك درءا لكل تأويل قد يعقد المسطرة أكثر، كأن تقترح مثلا الصياغة التالية:
«لا يعتبر المحل مهجورا إذا استمر المكتري في أداء واجب الكراء للمكري بانتظام وفق الطريقة المحددة في العقد أو في العرف».
ومن باب الملاحظة أيضا أقول بأن تولي المشرع في المادة 57 تعداد الحالات المحددة لوضعية المحل أهو مهجور أم لا، لم تكن بالصيغة الموفقة فالصياغة كانت زائدة، ولم يكن ثمة من مدعاة لها، بل إن الفائدة المرجوة لن تتحقق. إذن كان حريا بالصياغة أن ترد كالآتي:
«يعتبر المحل مهجورا إذا ظل مغلقا لمدة ستة أشهر على الأقل مع توقف المكتري عن دفع واجب الكراء للمكري» فمثل هذا التبسيط في الصياغة هو المطلوب الاستعجالي الذي له خصوصياته أيضا، من قبيل عدم بحث موضوع النزاع أو فحص أصل الحق إلى الخ.
وان كنا لا نتفق أيضا حول جعل المدة بهذه المسافة الزمنية لأن المكتري المخل بالتزاماته لا ينبغي أن ينتظر كل هذه المدة، من هنا نرى أن تقليص المدة إلى شهرين متتاليين مثلا كان الأفضل، أما وأن المشرع قد حددها في ستة أشهر فالأفيد للمكري سلوك المسطرة العادية التي تتيح له ضمانات أكثر لفسخ العقد أو إفراغ المكتري عوض البقاء مكتوف الأيدي طيلة المدة المطلوبة، علما بأنه سيبقى بعد ذلك مشوشا طيلة المدة نفسها بعد تنفيذ الأمر باسترجاع المحل متى ظهر المكتري من جديد أو من يقوم مقامه بحيث سيقع المكري تحت طائلة الفصول 66 إلى 69 من القانون نفسه، اللهم إذا باشر المسطرة الموازية وأفلح في استصدار قرار نهائي بالفسخ أو الإفراغ لحماية ما قد يحققه من مكسب عند مباشرته للمسطرة الخاصة هاته.
ثانيا: إجراءات البت في طلب استرجاع المحل المهجور:
1- رئيس المحكمة الابتدائية هو المختص للبت في الطلب:
«نص الفصل 59 من قانون الكراء الجديد على أن طلب استرجاع المحل المهجور يقدم إلى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات مشفوعا بالوثائق التالية:
- العقد أو السند الكتابي المثبت للعلاقة الكرائية.
- محضر معاينة واقعة إغلاق وهجر المحل المكترى وتحديد أمد الإغلاق».
فمتى قرأنا النص بتكرار وتمعن نخلص إلى إبداء الملاحظات التالية:
1- طلب استرجاع المحل المهجور يكتسي صفة الدعوى الاستعجالية:
مؤدى هذا المقتضى أن النص قد جرد رئيس المحكمة باعتباره قاضي الأمور المستعجلة من صلاحية تقييم العناصر المحددة لاختصاصه طبقا للفصل 149 من (ق م م) فبحثه طبقا للفصل 59 الذي جاء كنص خاص للفصل 149 (ق م م) محصور في بحث مدى تحقق العناصر الواردة في النص الخاص وشروطه فلم تعد له من سلطة على الدعوى من حيث وصفها أهي دعوى مستعجلة أم دعوى عادية ولا من حيث بحث شرطي الاستعجال وعدم المساس بالجوهر، ذلك لأن النص هنا قد تولى الأمر من بدايته فاعتبر الدعوى المؤطرة في الفصل 59 هي دعوى استعجالية يبت فيها رئيس المحكمة بهذه الصفة.
ومن الملاحظ على النص أيضا أنه لم يتطرق إلى إسناد الصلاحية للبت في الطلب إلى نائب رئيس المحكمة، رغم أن الإمكانية تبقى واردة أخذا بالمقتضيات العامة المنظمة للقضاء المستعجل في نصوص المسطرة المدنية، وهو ما كان على الفصل 59 من قانون الكراء الجديد لدرء كل تأويل خاطئ الإحالة عليها، ما دام أنه أغفل التنصيص على ذلك صراحة.

بقلـم : نجيب شوقي  *
* رئيس غرفة العقار وقضايا الأسرة باستئنافية الناظور
جريدة الصباح

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا