Wednesday, February 18, 2015

الجهوية المتقدمة ورهان التنمية د. عبدالرحمن الصديقي

يستعد المغرب لبدء تجربة جديدة، تجربة الجهوية المتقدمة التي من المنتظر أن تغير الخريطة الجهوية للمملكة وكذا المشهد السياسي والاقتصادي الجهوي. فالى اي حد ستستفيد من التجارب السابقة في سبيل ارساء التنمية. 
تعتبر هذه التجربة الثالثة من نوعها بعد الجهوية الاقتصادية التي شهدها المغرب في السبعينيات من القرن الماضي والتي قسمت البلاد لسبع جهات مقاييس لتدخل الدولة. هذه التجربة يطلق عليها كذلك الجهة المخطط بحيث عملت الدول
على تقسيم البلاد بهدف اعادة توزيع الثروات بين ربوعه لتقليص الفوارق والتقليل من هيمنة مركز الدارالبيضاء. 
لا يجب أن ننسى بأن من كان يقوم بهذه العملية هم المهندسون والتقنيون الذين يهيؤون مخططات خماسية و"استراتيجية" من المركز غالبا ما تكون بعيدة كل البعد عن حقيقة الواقع المعاش في الهامش. 
التجربة الثانية التي عرفتها البلاد بعد دستور 1992 هي تجربة الجهوية الادارية وتقسيم 1997 وكانت هذه التجربة تهدف بالأساس لتقريب الادارة من المواطنين في اطار اللاتمركز واللاتركيز في اطار التوصيات التي كانت البلاد تتلقاها من البنك الدولي بخصوص الاصلاحات الادارية للتقليل من البيروقراطية وهيمنة الفساد والوسائط والمحسوبية على مؤسسات الدولة بالدرجة التي تعرقل معها التنمية. هذا الاصلاح جاء كما نعرف بعد السنوات العجاف التي مرت منها البلاد بسبب التقويم الهيكلي وما تلاه من انتفاضات شعبية بسبب قصور تدخل الدولة. الشيء الذي يجعلني اقول بأن هذه الجهوية وما تلاها من اصلاحات لم تكن في الحقيقة إلا "ماكياج" تتخفى من ورائه الدولة للتهرب من مسؤولياتها الترابية باسم الديمقراطية المحلية وكذلك دمقرطة مؤسسات الدولة وما تلاها من تشكيل حكومة التناوب وغير ذلك من التحولات التي طرأت على المشهد السياسي الوطني. 
من ناحية التنمية الترابية لم تستطع التجربتين السابقتين تحقيق التنمية الترابية لأنها لم تكن يوما من أهدافها الفعلية, وان كانت نصوص القوانين تتحدث عن ذلك بين فقراتها. فقط,لأن تحقيق التنمية يقتضي تهيئة الظروف القانونية والبشرية والتقنية لنجاح المشروع اصل التنمية, الشيء الذي لم يكن متوفرا في ظل تشرذم وتقزم جغرافي وسياسي واقتصادي ومؤسساتي. 
التجربة الحالية يطلق عليها "الجهوية السياسية"، وقد جاءت نتيجة ظروف خاصة. فبعد فتح الحدود والعولمة وما تلاها من فقدان للهوية كان رد فعل التراب اقوى من خلال العودة الى الاصول في اشكال متعددة ": لغوية واثنية وجهوية وترابية وسياسية .... فكانت هذه الجهوية شكل من اشكال "امتصاص الاختلاف في اطار التنوع والتعدد داخل الوحدة لتفادي الخلاف", كما يقع حاليا في كثير من البلدان في شكل اقتتال وتطاحن تحت مسميات مختلفة. 
الواضح من خلال القيام بدراسة متمعنة لقانون الجهوية الحالية, ان المشرع استفاد من التجارب السابقة وكذا التجارب العالمية من حيث علاقة الجهة بالتنمية. فالجهوية اليوم لم تعد مهمتها اعادة توزيع ولا عدم التمركز والتركيز ( مهمة الجهويتين الاولى والثانية), وإنما مصاحبة الفاعلين المحليين (دون الحلول مكانهم) من مقاولات ومجتمع مدني وفاعلين ترابيين، ليصبح ذكيا وفي مستوى تأسيس وتطوير مقاولة رابحة وذات قدرات تنافسية، مدركة لمحيطها وتعرف اصطياد الفرص التي تتاح لها في الزمان والمكان المتحولين.الدولة تؤطر وتوجه وتنسق ولا تلعب دور الفاعلين الترابيين. 
نقرأ مثلا بأن الجهة ستكون لها صلاحيات موسعة من حيث الاستقلالية والمبادرة واتخاذ القرار, وستكون لها الوسائل المالية والبشرية والتقنية اللازمة للقيام بمهام التنمية. ستكون لها ميزانيتها ووكالتها للتنمية التي تقوم بالدراسة والتوجيه والاستشراف والاستشارة وغير ذلك من الوسائل والإمكانيات. 
ان الجهوية المتقدمة المغربية, بعد التقطيع وسن القوانين, ليست في حقيقة الأمر سوى في بداية الطريق وما بقي من أوراش أعطم، بحيث يجب الان الانكباب على توحيد الخرائط القطاعية الاخرى حتى تتقاطع مع التقطيع الاداري واقصد الخريطة القضائية والتعليمية وغيرها ويجب القيام بدور تحسيس وتوعية بأن الجهوية تحتاج للفاعلين المحليين لتنجح اكثر من حاجة هؤلاء اليها في اطار منطق الريع المترسخ في الذاكرة الترابية والجماعية المغربية. أما التكلفة الاقتصادية للجهوية من حيث بنياتها ومن حيث اشتغالها فهي كذلك مشكلة يجب الانكباب عليها لإيجاد مصادر التمويل. 
المشكل الاخر الذي يجب الانكباب عليه كذلك هو مكانة الوكالات الخاصة الخاضعة مباشة لسلطة الدولة المركزية, ونقصد الوكالات الترابية والقطاعية دون نسيان والوكالة الخاصة طنجة-المتوسط, وكيفية تدبير امورها وتعايشها مع القرارات المتخذة على مستوى مجالس الجهات. ما نوع الحكامة والتمثيلية الترابية في هذه الوكالات وما مدى تعاونها مع قرارات الديمقراطية المحلية وهل ستكون شريكا ام متنافسا؟
هذه الوكالات الخاصة تذكر بكثير من التشابه المناطق والوكالات الخاصة التي تتخذها الحكومة الفدرالية في الولايات المتحدة الامريكية كوسائل للضغط على المجالس الجهوية في الدول التابعة للاتحاد. 
المشكل الاخر الذي سيعترض الجهوية الحالية هو مدى قدرة الجهات على افراز نخب في مستوى التطلع. نخب قادرة ان تفكر وتأطر وتوجه اقتصادياتها الجهوية في مناخ اعمال معقد ومتقلب وصعب ومليء بالمخاطر. 
هل لم يكن من الاجدر بالمشرع المغربي سن قوانين تفاضلية ومختلفة للجهات حسب الاستحقاق وحسب الوعي الجهوي بدقة المرحلة على غرار ما نجده في اسبانيا (استقلال ذاتي تام او تطوري) وايطاليا (الجهات الاستثنائية) وحتى في الولايات المتحدة حيث السلط تختلف حسب الجهات من سلطات مطلقة وتحت وصاية؟
إن الجهة والجهوية ليست مجرد قوانين ولكنها واقع معاش. وبين الارادة والحقيقة هناك عمل دؤوب ومتواصل على كل المستويات : الوطنية, الجهوية, التحت جهوية والمحلية وعلى كل القطاعات .
د. عبدالرحمن الصديقي-كلية الحقوق بطنجة : الجهوية المتقدمة ورهان التنمية* 
------------------------------------------------------------------------------------------------------
* ملخص محاضرة القيتها يوم السبت 14فبراير 2015 بمقر جهة طنجة-تطوان بمناسبة افتتاح 
الدروس الربيعية المنظمة من طرف الامانة الجهوية لحزب الاصالة والمعاصرة.

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا