Saturday, August 15, 2015

مفهوم قاعدة التطهير العقاري والاستثناء-2-

بالرجوع إلى قاعدة التطهير العقاري، وجب القول إنها ليست قاعدة محصنة، لا تعترف إلا بالرسم العقاري المؤسَّس لمطلب التحفيظ، مبعدة نتيجة لذلك كل الحقوق الأخرى المرتبطة بالعقار المحفظ، والتي لن تكون محل تعرض ( الفصلان 24 و 29 من ظهير التحفيظ العقاري )، أو إيداع ( الفصل 84 من الظهير نفسه، أو محل خلاصة إصلاحية تم نشرها بالجريدة الرسمية ( الفصل 83 من الظهير نفسه).
لو أخذنا مثلا حالة القسمة والمخارجة، تصوروا معي أن مالكي العقار شياعا (طالبو التحفيظ أو مستفيدون من الإيداع)، قد تقاسموا في ما بينهم، وخرجوا من حالة الشياع كتابة أو قضاء وطلبوا إيداع مستنداتهم بالمحافظة العقارية، فإن تحول مطلب التحفيظ إلى رسم عقاري خلال المدة التي كان فيها المتخارجون بصدد إنهاء حالة الشيوع، رفض المحافظ العقاري طلبهم مشهرا في وجههم الفصلين 1 و62 من قانون التحفيظ العقاري.
هل هذا من باب الصواب أن تضيع هذه الأحكام أو العقود في لمحة من البرق وكأنها لم تكن؟ لا ثم لا، هذا من باب العبث، حقاً الرسم العقاري يبقى كما هو بقطعيته ونهائيته، ولكن لابد من تغيير معطياته بتقييد الحقوق المترتبة عليه والناتجة عن القسمة. فالمتخارجون هم أنفسهم المالكون لمطلب التحفيظ بصفة مباشرة (الفصل 83) أو غير مباشرة (الفصل 84).
وفي مثال آخر، وهنا يزداد الأمر غرابة لما يعترف البائع طالب التحفيظ سابقا بأحقية المشتري في تقييد شرائه بالرسم العقاري، ويرفض المحافظ طلبه بعلة أن التطهير قتل عقد البيع، ووجب إبرام عقد جديد وبالتالي أداء واجبات جديدة للتسجيل، وربما حتى للضرائب الملقاة على عاتق البائع.
  أخذت كل الاجتهادات إلى يومنا هذا المنحى، وأقرت حرفية نص الفصلين المذكورين أعلاه، دون أن تكلف نفسها عناء التمعن أكثر في هدفهما وسبب نزولهما. فكم من شخص ذهب ضحية نصوص قانونية واضحة المعالم لكن غير مسايرة لتطورات المجتمع، أو أن تطبيقها من طرف القضاء لن يكون تطبيقا سليما. لأن التطهير معناه عدم اعتراف طالب التحفيظ  بالمتعرض والمتعرض بطالب التحفيظ  والقضاء هو الفاصل بينهما وقرار المحافظ يجعل حدا للنزاع ويُطَهَّر العقار. هذا هو المقصود من التطهير. وإن كان الأمر هكذا لماذا الاستثناء من التطهير لبعض الحقوق ؟. هل يطول التطهير الملك العام ؟ وأيضا أملاك الجموع المحددة إداريا؟. هل يسري على الوقف العام ؟ 
الجواب :لا، وفي الحالة الأخيرة، بدليل المادة 54 من الظهير الشريف رقم 1.09.236 الصادر في ربيع الأول 1431 ( 23/02/2010) المتعلق بمدونة الأوقاف، التي تنص على ما يلي: 
« إن الرسوم العقارية المؤسسة لفائدة الغير لا تمنع المحكمة من النظر في كل دعوى ترمي إلى إثبات صفة الوقف العام لعقار محفظ، شريطة أن ترفع الدعوى في مواجهة جميع ذوي الحقوق المقيدين. وإذا ثبت أن العقار الذكور موقوف وقفا عاما، بناء على الحكم القضائي الصادر بذلك والحائز لقوة الشيء المقضي به، فإن المحافظ يشطب على كل تسجيل سابق، ويقيد العقار بالرسم العقاري المتعلق به في اسم الأوقاف العامة».
ملاحظة مهمة: مقتضيات هذه المادة تتعارض مع نظام التحفيظ العقاري ومدونة الحقوق العينية وقانون الالتزامات والعقود، حيث لا حماية للغير ذي النية الحسنة خلافا للفصل 66 الذي ينص على أنه لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة، والفصل 2 من مدونة الحقوق العينية الذي ينص من جهته، على أن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييد تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها.
إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية، كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن ترفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه.
كما أن الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود يعتبر الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح، تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون.
إن كانت هناك حالات الاستثناء بفضل نصوص قانونية خاصة، فلا مانع من توسيع هذا الاستثناء وجعله أكثر تلاؤما مع روح النص من جهة وواقع الحياة العصرية من جهة أخرى. زد على ذلك أنه في غياب أي ضرر محتمل وفي غياب المس بالقانون والأخلاق الحميدة أليس من الأنجع أن توسع قاعدة الاستثناء وتنزل الرحمة في قلوب أصحاب القرار وتعم الطمأنينة في نفوس المتعاقدين وأصحاب الحقوق من خلف خاص وعام ؟.
   في الحقيقة، نهائية الرسم العقاري لا يناقشها أحد ولكن لا يمكن بأي منطق كان أن يحتمي بها مالكه ( طالب التحفيظ سابقا أصلا أو متعرض أصبح طالب التحفيظ، الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري )، ويبقى في مأمن من التشويش عليه والمس بحقوقه.
هذا الوضع ينتج عنه ضرر كبير للغير ويعطي المالك المتشبث بقطيعة الفصلين الأول و 62 من ظهير التحفيط العقاري، ضمانات قوية تجعله يغتني على ظهر المتضرر المسكين الذي ضاع منه ماله وعقاره.
لكل هذه المبررات  أقول علينا مراجعة تصوراتنا واجتهاداتنا السابقة والتفكير في جعل التطهير أداة خير ومنفعة ورحمة على المواطنين، لا سيفا فتاكا يستعمل في كل الحالات وبدون تمييز بين الظالم والمظلوم والأخضر واليابس، معطيا لصاحب الحق المطهر أكثر مما أعطاه الله والمشرع والمنطق.
فالعبرة ليست بالمبنى ولكن العبرة بالمعنى التي يقصدها المشرع.
على أي حال، كل عقار ليس له كناش الحالة المدنية ( الرسم العقاري )، لا يعتد به ولا جدوى منه ولا وجود قانوني له باستثناء الحيازة التي تحميه حماية ضعيفة للغاية. 
الرجل البدوي، ضيعته تلتصق بجلده، ولا انفصال بينهما حتى الموت،  والرجل الحضري والحضاري شغوف بمأواه أو بسكناه الفارهة الفخمة، أو بمساكنه المختلفة. 
وأن بيدهم وتحت سلطتهم أملاك عقارية فإنهم يحرصون كل الحرص على الحفاظ عليها والدفاع عنها بكل الوسائل المتوفرة لديهم. ولن يجدوا أفضل حماية ووقاية من تلك التي يوفرها لهم قانون التحفيظ العقاري الذي له مسطرة إدارية تكشف عن المستور وتجسد الحقيقة مستعينة بالمسطرة القضائية، إن اقتضى الحال ذلك.
هكذا يدخل العقار المحفظ ميدانا أفضل بكثير مما كان عليه لكي يستقر ويفتخر بنهائية رسمه العقاري، غير أن الحقوق التي آلت من طرف طالب التحفيظ إلى الغير، يجب أن يبقى لها وجود وتجد طريقها إلى التقييد بالرسم العقاري، رغم موت مطلب التحفيظ الذي أقبر بصفة نهائية، بعد أن أنجب عملاقا قويا ألا وهو الرسم العقاري.
بقلم: ذ. السباغي مبارك * موثق بالدار البيضاء

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا