Saturday, August 15, 2015

ضمانات التنفيذ الجبري... الحجز بين يدي الغير بقلم: محمد القوص 3/1

إن استقرار المجتمعات مرتبط بانتشار وسيادة قيم العدالة وتكريسها وجوهر العدالة هو تنفيذ الأحكام القضائية لأنه من شأن ذلك شيوع الاطمئنان والأمن، وجلب المنفعة، وتحصين الحريات وضمانها وخدمة المصلحة العامة والخاصة. فانهيار وانحلال الدول و المجتمعات يأتي من انهيار وانحلال منظومتها القضائية وقوتها في قوة واستقلالية قضائها لذلك اعتبر الخليفة الفاروق رضي الله عنه القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة وأحكامه واجبة النفاذ، لأنه لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له فعدم تنفيذ  الأحكام القضائية وتجاهلها يؤدي إلى  ضياع الحقوق وتفشي روح الانتقام، والإحساس بالظلم وعدم الإنصاف وانعدام الأمن وإضعاف هيبة القضاء.

أدرج المشرع بالقسم التاسع المتعلق  بطرق التنفيذ الجبري، عدة مساطر من أجل ضمان تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم، وبالتالي تكريس وتوطيد الحق في الأمن القانوني والقضائي، ونظرا لأن الإنسان اجتماعي بطبعه وله، متطلبات  وحاجيات متنوعة ومختلفة داخل محيطه الاجتماعي والاقتصادي والتجاري فانه يلجأ لتحقيق هاته الحاجيات إلى إبرام عقود وتحمل التزامات،  انطلاقا من أن الأصل براءة الذمة وملاءتها إلى أن يتبث العكس فإنه قد يحدث أن يتماطل في أداء ديونه المستحقة ما قد يلحق  ضررا بدائنيه، وحفاظا على حقوق الدائنين نص  المشرع في المادة 1241 من ق ل ع، على مبدأ مهم  وهو أموال المدين ضمان عام لدائنيه، فكيف تم تكريس هذا المبدأ في العمل القضائي  هذا ما سنتطرق إليه من خلال المحور الأول، على أن نأخذ الحجز بين يدي الغير كإحدى النمادج القانونية والمسطرية،  التي تجسد فكرة الضمان في مجال التنفيذ الجبري في المحور الثاني.
المبحث الأول: أموال المدين ضمان عام لدائنيه
 كما سبقت الإشارة، فإن كان المبدأ هو براءة الذمة وملاءتها، فإنه قد يحدث أن يتماطل المدين في أداء ما بذمته من ديون مما يلحق أضرارا بدائنيه، وحفاظا على التوازنات التعاقدية بين طرفي العقد وضمانا لحقوق الدائنين في استيفاء ما بذمة مدينهم من ديون، نص المشرع المغربي في المادة 1241 من  قانون التزامات والعقود، على مبدأ عام، جوهره أموال المدين ضمان عام لدائنيه وفي السياق نفسه أورد استثناء على المادة 228 ق ل ع يقضي بعدم  انصراف أثار العقد إلى الغير، إلا في حدود معينة، وذلك لاعتبارات تفرضها ضرورة استقرار المعاملات وتكريسا للأمن الاجتماعي والاقتصادي والتعاقدي، وتقوية وتحقيقا لمبدأ سيادة العدالة التي هي في الأخير مطلب مجتمعي، لذلك فالضمانات التي خولها المشرع للدائن  متعددة الأشكال والصيغ، وموزعة بين عدة نصوص قانونية مختلفة في الشكل والموضوع، وهذه الضمانات في سياقها العام، تتقاطع في عدة نقط أهمها-1-الحفاظ على حقوق الدائنين بشكل عام.-2- إمكانية إلزام الملزمين بهاته الضمانات ولو بالتنفيذ القسري في مواجهتهم عند الضرورة، وهذا الأمر هو الذي يشكل الرابط القوي بينها وبين إجراءات التنفيذ الجبري المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية ويبقى السؤال المطروح هو كيفية تفعيل هاته الضمانات في حالة الإخلال بها ؟  للإجابة على هذا السؤال يمكن لنا أن نضع فرضيتين أولا هما، أن يقوم المدين بتفويت أمواله للغير دون أن تكون لديه نية الإضرار بدائنيه،  والثانية  أن يكون القصد من التفويت الإضرار بالدائنين وتفويت الفرصة عليهم في استخلاص واستيفاء ديونهم، وإضعاف الذمة المالية ليجعل أمر التنفيذ عليه مستحيلا، فبالنسبة إلى المشرع المغربي لم يحسم الجواب على هاتين الفرضيتين بنص صريح وواضح، كما فعل المشرع الفرنسي من خلال مقتضيات المواد 1166 و1167 من القانون المدني،  بواسطة إقامة دعوى غير مباشرة.  
إلا أن مضمون المادة 22 من ق-ل-ع، في علاقتها بالمادة1241 من القانون نفسه، تسمح للدائن الذي هو خلف خاص للمدين، بأن يتشبت بعدم الاحتجاج في مواجهته بالاتفاقات السرية المعارضة او غيرها من التصريحات المكتوبة ، إذا لم يكن له علم بها وهذا ما سار عليه أيضا الاجتهاد القضائي المغربي من خلال القرار رقم 1105 و1106/2001الصادر بتاريخ15/5/2001 الملف 2/2001/1157و10/2000/1921 الذي جاء فيه «إن أموال المدين ضمان عام لدائنيه إن الغير، الذي يتضرر من الاتفاقات المبرمة من طرف مدينه قصد تفويت أمواله، للإضرار بحقوق الدائن، يكون من حقه الطعن عن طريق القضاء، في تلك الاتفاقات بالصورية وليس من الضرورة لإبطال عقد الهبة أن يكون الدين مستحق  الأداء –).  وهذا يعني إمكانية قيام الدائن بجميع الاجراءات القانونية والمسطرية للحفاظ على حقوقه، سواء كان سبب تصرف المدين هو ناتج عن إهمال أو عن قصد، بما فيها مساطر الحجز على الأموال التي تم تفويتها إعمالا بنقيض قصده. 
وتبعا لذلك فان الاتجاه الذي سارت عليه محكمة النقض هو أن الفصل 1241 ق-ل-ع، وإن لم ينص صراحة على إبطال التصرفات المؤدية لإضعاف الذمة المالية للمدين، فإن مؤداه هو إمكانية المطالبة بإبطال هاته التصرفات إذا اثبت الدائن صوريتها، على اعتبار أن أموال المدين ضمان عام لدائنيه، وهذا قريب من الاتجاه الذي ذهب إليه المشرع الفرنسي،  من خلال مقتضيات المادة 1167 من القانون المدني، إذ اشترط لممارسة الدائن لدعواه أن يتعمد المدين عن طريق الغش تفويت أمواله ليتحقق إعساره وبالتالي عدم إمكانية التنفيذ عليه،  وهذا كرسه أيضا القضاء المغربي من خلال الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء عين الشق تحت عدد805 بتاريخ21/3/2000ملف مدني رقم181/2000 . 
وإن كنا نرى بأنه يحق للدائن أن يمارس الطعن بإبطال كل التصرفات، التي من شأنها أن تضعف الضمان العام المنصوص عليه في القانون دون اشتراط إثبات الصورية من طرف الدائن، على اعتبار أن كل تفويت  يمكن أن يضعف الذمة المالية للمدين،  إذا كان سيء التدبير. 
وعلى المدين أن يثبت عكس ذلك بمعنى أصح أن تقوم مسؤولية المدين على خطأ مفترض، قابل لإثبات العكس  أي قرينة بسيطة –مفادها أن المدين يعلم مسبقا بعلاقة المديونية التي تربطه بالدائن، كافية في حد ذاتها لمنعه من أي تصرف كان، من شانه المس بهذا الضمان القانوني، الذي أقره المشرع. 
 وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره عدد1681 والصادر بتاريخ 04/06/2003/ملف مدني رقم3060/1/2/2001، والذي جاء فيه» لما كانت مقتضيات الفصل 1241 من «ق ل ع»  تقرر أن أموال  المدين ضمان عام لدائنيه  فان ما قام به المطلوب  في النقض،  من تفويت  أملاكه ، هو إضعاف لذمته المالية، التي اعتبرها  القانون ضمانا  لدائنيه،  ويشكل بالتالي إضرارا بهؤلاء الدائنين.....»وان كان اجتهاد قضائي  آخر يميل إلى الأخذ بالاتجاه الأول، الوارد في الحكم القضائي عدد 805 المشار إليه سابقا والذي يسمح مبدئيا للمدين في التصرف في أمواله إلا  إذا تم الإعلان،  عن إعساره، أو كان عقاره مقيد برهن.
*مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بفاس

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا