Saturday, August 15, 2015

ضمانات التنفيذ الجبري... الحجز بين يدي الغير قلم: محمد القوص 3/2

هذا الاتجاه أكثر تشددا من الاجتهادات القضائية الأخرى، التي تشترط إثبات الصورية  فقط في إجراءات التفويت، قصد طلب أبطالها من طرف الدائن في مواجهة المدين، في غياب نص قانوني في التشريع المغربي يسمح للدائن بمباشرة إجراءات الدعوى غير المباشرة في مواجهة مديني مدينه، للحفاظ على حقوقه كما هو  الشأن بالنسبة إلى المشرع الفرنسي في المادة1166 من القانون المدني. 
رغم حرص الاجتهاد القضائي على تفعيل حماية حقوق الدائن من خلال التنصيص الصريح على «تعتبر أموال المدين ضمانا عاما لدائنيه، كما أن المادة 228 ق-ل-ع تمنع إبرام العقود إضرارا بالغير»، قرار صادر عن المجلس الأعلى  -محكمة النقض حاليا-عدد814بتاريخ02/06/2011 الغرفة التجارية القسم الثالث ملف تجاري عدد1212-3-2009، وانطلاقا مما سبق بسطه يمكن تفعيل مبدأ الضمان و سلوك أحد السبيلين، إما اللجوء إلى القضاء قصد إبطال التصرفات التي يبرمها المدين بعد إثبات صوريتها أو بعد الإعلان عن إفلاسه، كما كرسه الاجتهاد القضائي، أو إعمال الخيار الثاني الذي يسمح للدائن باستصدار أوامر قضائية بإيقاع حجوزات ذات طبيعة تحفظية، كإجراء احترازي واستباقي أو إثقال عقار المدين بحقوق عينية تحفظ حقه عند الضرورة.
 فهاته الحجوزات تسمح للقضاء بوضع يده على أموال المدين ومنعه من التصرف فيها،  وهذا الأمر هو ضمان للدائن، وهذا ما جاء في القرار عدد573ملف 2007/1021 الصادر بتاريخ08/05/2008 قضايا استعجالية، إذ اعتبر أن الحجز التحفظي هو إجراء وقتي يتم اللجوء إليه، حتى لا يفقد الدائن حقه في الضمان العام الوارد في المادة 1241 ق-ل-ع متى توفرت شروط هذا الحجز، ويقصد بالحجز التحفظي كل الحجوزات التي تتسم بالطابع الاحترازي والوقتي وليس لها طابع تنفيذي، كالحجز بين يدي الغير، الذي هو إجراء مسطري تحفظي يهدف من خلاله المشرع  تجسيد المبدأ القانوني الذي ينص على أن أموال المدين ضمان عام لدائنيه، وهذا ما سنحاول معالجته من خلال التطرق لماهية الحجز بين يدي الغير وطبيعته شروطه وأركانه والآثار القانونية الناجمة عن إيقاعه.
المبحث الثاني: الحجز بين يدي الغير ماهيته وطبيعته
لم يعمل المشرع المغربي على التعريف بماهية الحجز بين يدي الغير، إلا أنه من خلال قراءة المواد المنظمة له يمكن الإلمام بماهيته وطبيعته، وان تضاربت الآراء الفقهية حول ذلك واختلفت الاجتهادات القضائية بشأن تطبيقاتها، فإن كان الحجز بين يدي الغير كإجراء مسطري يعقل  بمقتضاه  مال  المدين الموجود بين يدي الغير ومنع التصرف فيه، ووضعه بين يدي القضاء قصد استيفاء الدائن حقوقه من المدين، إعمالا لمبدأ أموال المدين ضمان عام لدائنيه والذين يسمح لهم القانون بتتبعه أينما وجد. لذلك فإن الحجز بين يدي الغير ومن خلال قراءة المادة488 من ق-م-م، هو قيام الدائن الذي يتوفر على دين ثابت بعقل مبالغ مالية ومستندات بين يدي مدين مدينه،  باعتباره غيرا والتعرض على تسليمها له في حين نجد ذ/عبدالله الشرقاوي، يعرفه  «بأنه إجراء يستطيع بواسطته الدائن أن يتعرض بين يدي مدين مدينه، على كل المبالغ والمنقولات التي يمسكها هذا الأخير لحساب المدين، وأن يستوفي دينه من تلك المبالغ أو ثمن تلك المنقولات بعد بيعها». وعرفه ذ/محمد العربي المجبود، بأنه»مسطرة يمنع بواسطتها المحجوز لديه، والذي هو مدين مدينه من أن يدفع لهذا  الأخير بعض المبالغ وبعض الأشياء التي هو مدين له بها، ثم يطلب من المحكمة من أن يسدد دينه من تلك المبالغ أو ثمن تلك الأشياء»،  ويستخلص من هاته التعاريف الفقهية، إمكانية إجراء الحجز بين يدي الغير على منقولات المدين الموجودة  بين يدي مدينه، وبيعها قصد استخلاص مبلغ الدين لفائدة الدائن-(ذ/ يونس الزهري الحجز بين يدي الغير في القانون المغربي ص35)، وهذا الاتجاه هو مخالف لما تم التنصيص عليه في المادة488 ق-م-م التي حصرت موضوع الحجز في المبالغ المالية والمستندات، ولم ينص بشكل صريح على المنقولات لأن مسطرة الحجز على المنقولات بين يدي الغير هي مسطرة الحجز التحفظي، وفق مقتضيات المادة 456 ق-م-م والتي يمكن اللجوء إليها وفق الشروط التي ينص عليها القانون، فإذا كانت مسألة حجز المبالغ المالية واضحة الدلالة والمعنى فماذا يقصد المشرع من كلمة» المستندات» الواردة في المادة488 ق-م-م. فبالرجوع إلى النص المحرر باللغة الفرنسية نجده، يشير إلى مصطلح»effets «والتي تعني الأوراق التجارية والمحددة في مدونة التجارة في الكمبيالة –الشيك- السند لأمر، ويمكن إضافة أيضا الصكوك المالية والقيم المنقولة ، هذا بالنسبة لتحديد ماهية الحجز بين يدي الغير في إطار اختلاف التعاريف بكل تعليلاتها وباختلاف مراجعها، دون أن نقفز عن تحديد الجهة المختصة نوعيا في إصدار الأمر بإيقاع هذا النوع من الحجوزات. فبالرجوع إلى المادة491 من ق-م-م والذي يشير إلى أن الحجز بين يدي الغير يتم بناء على سند تنفيذي، أو بناء على أمر من رئيس المحكمة، وفي الحالة الأخيرة بأي صفة يصدر الرئيس الأمر بإيقاع الحجز بين يدي الغير، هل بصفته قاضيا للمستعجلات أم بصفته الولائية في إطار المادة 148 من ق-مم ؟ أم كمشرف على مؤسسة قاضي التنفيذ  كقاض للموضوع، وإن كان المنطق القانوني الصرف يقضي بأن قاضي التنفيذ في إطار مزاولة مهامه وما يقتضيه اختصاصه النوعي،  أن يصدر أوامره وفق ما تتطلبه التفريعات الثلاثة المذكورة على اعتبار أن مؤسسة قاضي التنفيذ مختلفة عن مؤسسة الرئاسة، ولا ينبغي أن تتداخل الاختصاصات فيما بينهما، وذلك ضمانا لمبدأ الحكامة الجيدة لمرفق القضاء وتكريسا لقوة المؤسسات وفعاليتها. 
وإن كان واقع الممارسة القضائية يشير إلى أن رئيس المحكمة ما زال يجمع بين الصفتين صفة قاضي المستعجلات والأوامر، رئيسا  للمحكمة، وصفته مشرفا على مؤسسة قاضي التنفيذ، وهذا ما كرسه الاجتهاد القضائي  من خلال الأمر عدد1021 ملف عدد314/06س الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط –منشور بمجلة المعيار العدد40 دجنبر 2008 ص317 ، إذ جاء فيه «يختص رئيس المحكمة بصفته هاته، بالمصادقة على الحجز لدى الغير، وليس بصفته قاضيا للمستعجلات، باعتبار أن الحجز والتصديق عليه مما يدخل في مسطرة التنفيذ التي تشرف عليها مؤسسة الرئيس»، وأن هذا التداخل كما سبق أن أشرنا إليه، يحدث لبسا في تحديد الاختصاصات بين المؤسستين،  وهذا مرجعه غياب مؤسسة قاضي التنفيذ كما هو متعارف عليه في القانون المقارن خاصة القانون الفرنسي. وبالتالي فان الإشكال ينحصر في هذا الإطار وليس فيما تتضمنه المواد 148-149- 491 من قانون المسطرة المدنية، على اعتبار أن اللجوء إلى هاته المساطر يبقى مرتبطا بالشروط التي تحددها هاته المواد نفسها ، وهذا ماحذا بالمشرع في مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد، إلى التنصيص على إحداث مؤسسة قاضي التنفيذ واختصاصاته، ومن بينها الأوامر المتعلقة بالتنفيذ والإشراف على إجراءات التنفيذ.
*مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بفاس

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا