Saturday, August 15, 2015

ضمانات التنفيذ الجبري... الحجز بين يدي الغير بقلم: محمد القوص 3/3

إن المساطر المتعلقة بكافة أنواع الحجوزات تبقى من اختصاص قاضي التنفيذ، وليس رئيس المحكمة بصفته هاته، وإن كان الفصل التام بين المؤسستين لم يتحقق بعد ولو في ظل مسودة مشروع «ق .م .م» فالمؤمل أن يأتي المشرع بمؤسسة لقضاء التنفيذ كجهة مختصة، موضوعيا واستعجاليا وولائيا، للبت في منازعات التنفيذ وإلى حين خروجها إلى حيز التنفيذ، فإن مثل هاته الإشكالات ستبقى قائمة، فإن كان ما تطرقنا إليه يتعلق  بالجهة المختصة بإصدار الأوامر المتعلقة بإيقاع الحجز بين يدي الغير، وما تثيره من جدل قانوني وفقهي فماذا عن شروط وأركان هذا الحجز؟ هذا ما سنعمل على بسطه جهد الإمكان في النقطة التالية.
*شروط وأركان الحجز بين يدي الغير
يتبين من خلال قراءة المادة488 ق-م-م، أنها اشترطت لإجراء حجز بين يدي الغير أن يكون الدين ثابتا، والأكيد أن الأمر يتعلق بحالة استصدار أمر قضائي بإيقاعه، وليس في الحالة التي يتم فيها بناء على سند تنفيذي بشكل مباشر. فماذا يقصد المشرع «بالدين الثابت» هل يعني ثبوت الدين بحجة ودليل وخلوه من كل نزاع جدي؟ أم أن يكون الدين حال الأداء أيضا، فبالرجوع إلى الاجتهادات القضائية، نجد أن الدين يكون ثابتا متى أقام الدائن الحاجز دليلا وبرهانا على قيام الدين كالشيكات والكمبيالات،السند لأمر، والاعتراف بالدين والأحكام القضائية ، حيث جاء في القرار الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بمراكش»حيث إن السندات لأمر تعتبر كافية في نطاق الفصل 488 من ق م م، لإجراء حجز لدى الغير»،  والدليل  هو ما تم تحديده من قبل المشرع في المادة 417 ق ل ع،  حيث جاء في القرار الصادر عن المجلس الأعلى عدد 1947 المؤرخ في 26/ 09/ 2006 ملف مدني عدد 310/3/2/00 « إن الفصل  417 ق ل ع  ينص على أن الدليل  الكتابي  ينتج عن  ورقة رسمية  أو عرفية،  ويمكن أن ينتج عن المرسلات  والفواتير المقبولة.......». كما أن هناك من الناحية الفقهية من يرى بأن المقصود بثبوت الدين أن يكون موجودا ومستحقا، واتجاه آخر شدد على أن يكون الدين حالا، أي أن لا يكون معلقا على شرط أو أجل، خاليا من النزاع الجدي في حين لم يشترط المشرع من خلال المادة 488 ق-م-م، خلو الدين من النزاع، وذلك حتى تتمكن الأطراف من مراجعة القضاء في مسألة المديونية، ومن جهة أخرى أن طبيعة هذا النوع من الحجوزات في رأينا تبقى تحفظية إلى حين صدور حكم نهائي بالمصادقة. فعندما اشترط المشرع قيام دليل على وجود الدين وثبوته فهذا الشرط كاف في حد ذاته، للاستجابة لطلب  إيقاع الحجز، فليس هناك مبرر لاشتراط خلوه من النزاع، فلو أراد المشرع ذلك لنص عليه صراحة لأنه من شأن ذلك عرقلة تفعيل مبدأ الضمان، كإجراء وقائي يحقق الأمن والتوازن التعاقدي والتعليل نفسه، نتبناه بالنسبة إلى الشرط القائل بضرورة حلول الدين.
خلاصة القول،  إنه وفي السياق نفسه لا يمكن الحديث  عن شروط الحجز لدى الغير بمعزل عن فهم أركانه، فالشرط والركن متلازمان في تحديد نطاق تطبيقه وضبط ماهيته وبالتالي فإن مجال هذا الأخير يتحدد من خلال علاقة ثلاثية تجمع بين الدائن «الحاجز» والمدين «المحجوز عليه» والغير «المحجوز بين يديه»، وهو مدين المدين،   حيث يمكن لكل شخص دائن سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا،  له دين ثابت في مواجهة مدينه وبناء على المادة 491  ق-م-م، أن يستصدر أمرا قضائيا أو تأسيسا على سند تنفيدي، أن يجري حجزا بين يدي الغير ضمانا لذلك الدين ويمكن  أن يحل محل الدائن، كل من خلفه الخاص أو العام أو من له الحق بمقتضى عقد الحوالة وفق مقتضيات المادة 195 من ق- ل-ع، وهذه العلاقة الثلاثية هي التي تشكل الجوانب الأساسية في إجراءات الحجز بين يدي الغير، وبناء عليه فإن الدائن الحاجز غير ملزم بإثبات علاقة المديونية التي تربط مدينه المحجوز عليه ومدينه المحجوز بين يديه،  ولا يمكنه أيضا إقامة دعوى غير مباشرة  باستثناء  ما ورد في الفصول 672و780 ق ل ع، إلا إذا حل محل مدينه ، كما ينص عليه القانون. وهذا الاتجاه هو الأقرب إلى الصواب، على اعتبار أن الحجز بين يدي الغير مبني على علاقة ثلاثية، واضحة ومحددة في شروطها وأركانها بشكل نسبي، وان كانت هناك مجموعة من النقط بشأن هذا الحجز ما زالت موضوع نقاش  واجتهاد فقهي وقضائي، بالإضافة إلى غياب نص تشريعي صريح يسمح للدائن بسلوك مسطرة الدعوى غير المباشرة، وهذا الطرح يواجه به  دائن الدائن الذي يرغب في إيقاع حجز بين يدي مدين مدينه، بصفته غيرا (سواء كان مدينا أو حائزا)، فمن هو هذا الغير ؟ جوابا على هذا السؤال يمكن القول انه إذا كان الأصل في الأحكام بصفة عامة والعقود  أنها لا تلزم إلا من كان طرفا فيها، فان هذا المبدأ يرد عليه الاستثناء وهو ما يعرف بمبدأ النسبية، والذي يسمح بسريان آثارها في مواجهة من لم يكن طرفا في هاته الأحكام والعقود في حدود  وشروط معينة ووفق مساطر منصوص عليها في القانون ، وبالنسبة إلى الحجز بين يدي الغير يجب أن يكون هذا الغير مستقلا أي لا تربطه بالمدين علاقة تبعية كما كرسته الاجتهادات القضائية والفقهية. فالتابع لا يعتبر غيرا بينما يمكن الجزم بأن المتبوع يعتبر كذلك. بعد التطرق لشروط و أركان هذا النوع من الحجوزات بشكل موجز، ومن أجل استكمال قراءة الإطار التشريعي لهذه الضمانة لابد من معرفة طبيعة الحجز بين يدي الغير والاطلاع على مسطرة المصادقة والإشكالات المتعلقة  بها.  
خلاصة القول أن الحجز بين يدي الغير من جهة يعتبر ضمانة من الضمانات الممنوحة للدائن في مواجهة مدينه تجد مرجعيتها في المادة 1241 من ق ل ع، انطلاقا من أن أموال المدين ضمان عام لمدينه، ومن جهة أخرى  هو سبيل من سبل التنفيذ الجبري المنصوص عليه  في قانون المسطرة المدنية، وهذا ما كرسه العمل القضائي من خلال عدة  أحكام.
*مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بفاس

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا