Monday, September 14, 2015

ضحايا الجرائم الإرهابية...المسؤولية عن الأضرار وأساس التعويض.


أثار مبدأ تعويض ضحايا الجريمة عموما ،و ضحايا الجريمة الإرهابية خصوصا ،جدلا واسعا في الأوساط الفقهية حول الأساس الذي يستند إليه
فقد ذهب جانب من الفقه إلى إنكار التزام الدولة بتعويض ضحايا الجريمة بوجه عام و برروا ذلك بعدة حجج منها :
- إن نظام المسؤولية الشخصية للجاني يكفي لحماية المتضرر ،بالإضافة إلى ما تقدمه نظم التأمينات من تعويض نقدي .
-،كما أن تقرير مسؤولية الدولة حسب هذا الرأي من شأنه التمييز بين الضحايا ،فهناك ضحايا الكوارث الطبيعية و ضحايا الأمراض الفتاكة،فلا مبرر لتمييز ضحايا الجريمة الإرهابية بأحكام خاصة ،ـفشبكة الحماية الاجتماعية كفيلة بمساعدة هؤلاء المتضررين كغيرهم .
- التزام الدولة التعويض من شأنه أن يؤدي إلى إهدار المسؤولية الفردية و شخصية العقوبة كما يمكن أن يقلل من حرص الضحايا لمنع الجريمة أو التعاون مع أجهزة الدولة في التبليغ عن المجرم .
-إثقال ميزانية الدولة بأعباء أخرى تضاف إلى تلك التي خصصتها للوقاية من الجريمة ذاتها مما قد يجعل الدولة عاجزة عن التعامل مع الجريمة بشكل فعال.
غير أن الرد على هذه الحجج بسيط ،فأصحاب هذا الاتجاه لا يقصرون المبدأ على الجريمة الإرهابية ،بل كما سبق و أن أكدنا ،أن المسألة تتعلق بالمتضرر الذي عجز عن إصلاح الضرر سوا كان ذلك لعدم معرفة الجاني أو عدم مسؤوليته أو كان السبب كوارث طبيعية .ثم أن الدولة تقبض من المواطن ضريبة ،فتدفع له على أساس مبدأ الغنم بالغرم .
أما الرأي المؤيد لالتزام الدولة بالتعويض فقد ساق الجج التالية :
-لا يمكن قياس أضرارا لجريمة الإرهابية على أضرار الجرائم الأخرى نظرا للفارق الكبير في جسامة الضرر ،فلا مانع من وجود نظام تكميلي يتكفل بهذا النوع من الضحايا .
-أما القول بإضعاف الإحساس بالمسؤولية الفردية ،فلا وجه له حيث أن بواعث الجريمة الإرهابية لا علاقة لها بالتعويض أو المقال المادي ،و في كل الأحوال فإن تحمل الدولة للتعويض ذو طبيعية احتياطية حتى في الجريمة الإرهابية ،إذا أمكن استفاء التعويض من الجاني ،و هذا نادر الحصول ،علما أنه يحقق للدولة الرجوع على الجاني بمبلغ التعويض في حالة ما إذا تم التعرف عليه لاحقا .,علما أن الإحصائية في بعض الدول المتطورة أثبتت أن ثلاثة من بين 167 ضحية تم تعويضهم من قبل الجناة أي بنسبة 1.8% فقط.
- أما القول بزيادة أعباء الميزانية العامة ،فها أيضا مردود عليه ،لأن الدولة يمكنها تنويع مصادر تمويل الميزانية بما في ذلك فرض ضرائب جديدة.
- من المسلم به أنه يقع على الدولة توفير الأمن و في حالة الإخلال به عليها أن تتحمل نتائج هذا التقصير بتحمل التعويض عن الضرر الذي تخلفه جرائم الإرهاب .
وإذا أردنا تقييم الاتجاهين ،المؤيد و المعارض ،نجد أنه لا تعارض بين الاتجاهين ،و كلاهما يقر بحق الضحية في التعويض ،فالاتجاه الاول يكتفي بمبدأ المسؤولية الشخصية على الاعتبار أن الحلات التي لا يعرف فيها الجاني حالات استثنائية و حتى الجريمة الارهابية فهي جريمة عابرة أو غير عادية منطلقها قناعات سياسية أو دينية خاطئة. بينما يرى الاتجاه الثاني ،ضرورة ايجاد نظام مكمل لنظام المسؤولية الشخصية و هو نظام احتياطي لا يمكن تحريكه إلا بعد أن يعجز النظام الأول على إصلاح الضرر .
و سنعرض للمحاولات الفقهية التي دعمت فكرة التزام الدولة بالتعويض .

أولا:نظرية الدولة المؤمنة :
.لقد حاول بعض الفقه تجاوز أسس المسؤولية التقليدية و البحث عن أساس جديد يغطي جميع الحالات التي ترى الدولة أنه من واجبها التدخل للمساعدة فقالوا بنظرية الدولة المؤمنة و رائد هذه النظرية هو موريس هوريو،و هي في نظره النظرية الوحيدة التي تبرر مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تصيب الأفراد من جراء أعمال الشغب و الكوارث الطبيعية ،و يمكن أن نظيف لها الجريمة الإرهابية ..و أساس هذه النظرية أن هناك تأمينا متبادلا بين المواطنين و الدولة ،فالدولة هي المؤمن على نشاطها العام من الأضرار التي تصيب الغير و هذا التأمين يغطي جميع مجالات المسؤولية ،و لا علاقة له بالخطأ أو المخاطر ..كما يؤدي هذا التصور إلى تحميل الدولة واجب تعويض الضحايا مثل أي مؤمن ،لأنها قبضت أقساط التأمين من المؤمن لهم في شكل ضرائب مباشرة أو غير مباشرة .
و يضيف أحد أنصار هذه النظرية القول بأنه لا يمكن القول بفكرة الخطأ أو المخاطر أو الخطأ المرفقي ،و الأساس الوحيد التي يبرر مسؤولية الدولة هي فكرة التأمين الاجتماعي الذي يتحمله الصندوق الجماعي لمصلحة الناس الذين تضرروا من جراء النشاط العام الذي يتم لفائدة الجميع .
فالدولة تتصرف كمؤمن لمشروعها الخاص و أيضا كمؤمن للمخاطر التي لا يوجد في النظام الاجتماعي أي ضمان أخر لها سوى السلطة العامة نفسها و خاصة المخاطر غير القابلة للتأمين كما هو الحال في الكوارث الطبيعية .
نقد النظرية :
تقوم هذه النظرية على محض افتراض مؤداه أن الدولة تقيض الأقساط لحسابها كما هو الحال في مفهوم التأمين ،و الحقيقة أن أقساط الضرائب تنفق على النفع العام أي تعود إلى الممول نفسه بطريق أخرى ،في شكل خدامات أو مساعدات في صيغ مختلفة .،فالنظرية لا تفسر كيف يستفيد الفرد من الخدمات و في نفس الوقت يحصل على تعويض عند الضرر مقابل نفس القسط .

ثانيا : نظرية الضمان :
تقوم هذه النظرية على أساس أن حق المواطن في الأمن مقرر في الدساتير و هو يفرض على الدولة التزاما بضمان حمايته من الأضرار التي تنتج عن المساس بهذا الأمن ،فالدولة ضامنة للسلم الاجتماعي و عليها أن تتحمل إصلاح الأضرار التي تصيب أفراد المجتمع و لو كانت غير ذات صلة بالنشاط العام.
تجد هذه النظرية سندها في نظرية العقد الاجتماعي ،فالأفراد قبل وجود الدولة كانوا يعتمدون على أنفسهم في الدفاع عن حقوقهم و مصالحهم و القصاص من المعتدي عليهم ،و بعد ظهور الدولة تنازل الأفراد لممثليهم عن جانب من حقوقهم في مقابل أن توفر الدولة الأمن و الاستقرار و تعمل على منع وقوع الجريمة . و ترتب على ذلك أن حظرت عليهم الثأر و أن يقيموا العدالة لأنفسهم .وينبني على ما تقدم أن وقوع الجريمة و حدوث أضرار يعد إخلالا من جانب الدولة بالتزامها القانوني في توفير الأمن .و من أشهر الذين روجوا لهذا الأساس هو بنتام في مطوله عن التشريع الجنائي .
نقد النظرية .
هذه النظرية تبالغ كثيرا و تجعل من الدولة الشخص القانوني الوحيد الذي يجب أن يتحمل التعويض ،بصرف النظر عن مصدرها .و هو الشيء الذي لا يمكن التسليم به فوجود الدولة لا يلغي مسؤولية الأشخاص القانونية الأخرى التي يمكن أن تسبب في إحداث الضرر.،كما أن الدولة لا تستطيع عمليا أن تأمن المواطن من كل أشكال المخاطر و لا بد من وضع ضوابط ،و مراعاة إمكانيات الدولة المالية .

نظرية التضامن الاجتماعي :

كما ذكرنا أن جبر الضرر في الحالات التي يكون الضرر ناتج عن النشاط العام لمواجهة العمل الإرهابي لا يثر إشكالية ،و لكن في الحالات التي يكون الضرر متولد من الجريمة ذاتها ،فمرتكب الجريمة يكون مجهولا في كثير من الأحيان أو يهلك أثناء العمل الإجرامي بفعله (الانتحاري ) أو بفعل النشاط العام المقاوم ،فمن يساعد الضحية في مصيبته ،هل يمكن أن تكون الدولة مسؤولة ؟ مع العلم أن كثيرا ما يكون ضحايا الأعمال الإرهابية من الأبرياء المدنيين.
لقد جاءت فكرة التضامن الاجتماعي كمحاولة للتأسيس لمبدأ تعويض ضحية الجريمة الإرهابية و تستند هذه النظرية إلى مبدأ الشعور الإنساني الذي يرتكز عليه كل إجراء يهدف إلى مساعدة الأشخاص الذين يوجدون في وضعية صعبة ،و هذا الشعور مبدؤه تضامن أفراد المجتمع فيما بينهم ،حتى في غياب المؤسسة الرسمية فهو نابع من الشعور بالانتماء إلى الجماعة أو الأمة و الإنسانية قبل الدولة (المؤسسة ).و في هذا السياق يجب أن تكون الدولة أول من يبادر بهذا التضامن باعتبارها ممثلة الجماعة ، و هذا لا يمنع أفراد المجتمع من المشاركة في هذا الواجب حتى في غياب الدولة أو مؤسساتها .
و مبدأ التضامن الاجتماعي ،لا يقتصر هذا نوع معين من الضرر و إنما يغطي كل ما يمكن أن يواجها الأفراد من مصاعب لا قبل لهم بدفعها كالأوبئة و الكوارث الطبيعية .
و عندما تتحمل الدولة التعويض فهي تفعل ذلك بموجب التزام اجتماعي و ليس بموجب مسؤولية قانونية .
لقد شكل مبدأ جماعية التعويض منطقا مبدئيا لفكرة تحمل الدولة عبء التعويض في هذا النوع من الجرائم ،و الحقيقة أن مبدأ جماعية التعويض ليس حديثا بل يجد تطبيقاته في مجالات عديدة أولها كان في تقرير مسؤولية الاشخاص الاعتبارية عن أعمال موظفيها ،كما نعكس في نظام التأمين ذلك أن الفكرة الجوهرية
التي يقوم عليها التأمين بوجه عام هي توزيع المخاطر على أكبر عددد من الافراد ،فهو يقو على فكرة التضامن ،فتحمل الكيان الاجتماعي التعويض عن طريق الذمم الجماعية بدلا من المسؤول هو مظهر هام لجماعية التأمين .و على هذا الاساس فالتزام الذمة الجماعية أو النظام الجماعي عبء التعويض ليس هو الخطأ أو اللوم الاخلاقي ،و إنما هو لحماية المضرور استنادا الى فكرة التضامن الاجتماعي
نبني على هذا الأساس ما يلي :
-إن إصلاح الضرر ليس حقا و إنما هو مساعدة من الدولة لمن هو في حاجة إليها و بمفهوم المخالفة لا تمنح لمن تكون ظروفه المادية جيدة و لا تحدث له الجريمة اضطرابا في ظروف المعيشة .
- لا تتقرر المساعدة بمجرد وقع الجريمة أو الضرر كما هو الحال في قواعد المسؤولية التقليدية،و إنما يقرر منحها بناء على ظروف المتضرر
-كون التعويض هنا مجرد مساعدة اجتماعية لا ينعقد الاختصاص بنظر تقريره إلى القضاء ،وإنما إلى اللجان الإدارية الناظرة في طلبات المساعدات الاجتماعية .
-أن هذا النوع من التعويض ذو طبيعة احتياطية .

نقد النظرية .
إن مبدأ التضامن الاجتماعي يبقى واجبا أخلاقيا أكثر منه قانونيا فهو لا يصلح أن يكون أساس لإلزام الدولة بالتعويض عن الجريمة الإرهابية إلا إذا تحول إلى التزام قانوني .و هذا ما حدث بالفعل في كثير من الدول .
و في الأخير يمكنا القول أن النظر إلى الضرر على أنه مشكلة اجتماعية ،قبل أن يكون حق خاص للمتضرر ،غير اتجاه البحث إلى إصلاح الضرر بدل من إنصاف المتضرر من المتسبب في الضرر ،و السبب في ذلك أن المتسبب في الضرر كثيرا ما يكون مجهولا أو معسرا و أحيانا أخرى ليس بفعل شخص قانوني و في كل هذه الحالات ينبغي أن تتدخل الجماعة لمساعدة المتضرر،و أقصر الطرق هو إصدار تشريعات يتقرر بموجبها مساعدة المتضررين في مجالات محددة بشروط خاصة من ذاك المتضررين من جرائم الأشخاص في حالة عدم إمكانية حصول المتضرر على تعويض من المجرم .و لذلك وصف هذا التعويض الذي تدفعه الدولة بأنه احتياطي كما انه يتوقف على سلوك المتضرر .
و بدون مبالغة يمكن القول أن الجريمة الارهابية من أخطر الجرائم التي تستوجب مساعدة المتضررين منها لما تخلفه من أضرار جسدية في غالب الأحيان كالقتل و كذا جرائم الأموال و نظرا لجسامة الأضرار و محدودية إمكانية الدولة لجأت الدول إلى إنشاء مؤسسات بتمويل خاص تتكفل بتعويض ضحايا الجريمة الإرهابية و هو ما عرف في النظام الفرنسي بصناديق الضمان (Fonds de garantie) يتم تمويله من بواسطة الاشتراكات الخاصة بعقود التأمين على الأموال و يتمتع هذا الصندوق بالشخصية الاعتبارية و ينص القانون على تشكلة إدارة الصندوق (الرئيس و الأعضاء ).

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا